عليه وأحطنا علما به ؛ فإنّ الكلام يكون أوضح (١) ، وسقوط الاحتجاج بما ذكروه أبين ؛ لزوال أن يكون الاختصاص وخرق العادة جميعا من قبل القديم تعالى.
فأمّا قولهم : إنّ مثل ذلك لو جرى لوجب ظهوره بالعادة ، وإذا لم يظهر فلأمر من قبل الله تعالى ؛ فليس بصحيح ؛ لأنّ العادة إن اقتضت ظهور أمثال ما ذكرناه وانتشاره ، فإنّما تقتضيه فيما وقع في أصله ظاهرا. والإلزام بخلاف ذلك ؛ لأنّهم إنّما ألزموا أن يكون مأخوذا ممّن لم يظهر على يده ، ولا سمع من جهته ، ولا اطّلع أحد غير آخذه على حاله ، والعادة لا تقتضي ظهور مثل هذا ، فمن ادّعى اقتضاءها لظهوره ـ وإن كان على ما مثّلناه ـ طولب بالدّلالة على صحّة قوله ، ولن يجدها!
وممّا تعلّقوا به أيضا ، أن قالوا : تجويز ما ألزمناه في القرآن يؤدّي إلى تجويز مثله في سائر معجزات الأنبياء صلوات الله عليهم ، ويقتضي الشّكّ في وقوع جميعها على هذا الوجه.
قالوا : فإن قيل لنا أنّ تلك المعجزات مباينة للقرآن من حيث علمت حادثة في الحال ، على وجه يوجب الاختصاص ويرفع الشّكّ.
قلنا : أليس من قبل أن ينكر المستدلّ ، فنعلم حدوثها في الوقت ، ووقوع الاختصاص التامّ بها ، يجوز فيها ما ذكرتموه؟
وإذا جوّز ذلك كان تجويزه منفّرا له عن النّظر فيها. فإن كان لو نظر لعلم ما أمن من وقوع التّنفير عن النّظر في أعلام سائر الأنبياء ، يؤمن من حصول ما ألزمناه في القرآن.
وليس هذا بشيء ؛ لأنّ تجويز المستدلّ النّاظر في المعجزات ـ قبل أن يعلم حدوثها ، وثبوت الاختصاص بها ـ أن تكون غير حادثة ، ولا مقتضية
__________________
(١) في الأصل : واضح ، وما أثبتناه مناسب للسياق.