والعصبيّة؟ فإنّ
جميع الفصحاء حينئذ كانوا يمسكون عن تكذيبه والرّدّ عليه ، ويظهرون الرّضا بفعله
والتّصديق لقوله ، كما أمسكوا عن أميّة بن خلف وهم مضطرّون إلى تكذيبه وبهته.
وبعد ، فلم يلزم
أن تقع المعارضة من سائر الفصحاء حسب ما ظننت ، وإنّما ألزمنا وقوعها في الجملة.
وخصومنا ـ إن
أحالوا على الجمع الكثير الّذين لا يجوز عليهم التّلاقي والتواطؤ والإخبار بما
يضطرّون إلى بطلانه ـ فهم يجيزون ذلك على النّفر والجماعة الّتي يصحّ في مثلها
التواطؤ ، فكيف لم تقع المعارضة من عدّة هذه صفتهم؟
فإن عاد السّائل
إلى أن يقول : لو عارض مثل هؤلاء بما لا يماثل في الحقيقة ، لما وافقهم الباقون من
الفصحاء ، ولا أمسكوا عن تكذيبهم!
قلنا لهم : فقد
أظهروا موافقة أميّة بن خلف الجمحيّ وأمسكوا عن تكذيبه ، اللهمّ إلّا أن تريد ما
كان يمسك عنهم من كان في جهة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، فهذا ما قدّمنا فيه التّماثل.
على أنّا لو
طالبناك ـ أيّها السّائل ـ بالدّلالة على أنّ عدّة الفصحاء الّذين يعلمون فضل
فصاحة القرآن على فصاحتهم وخروجه عن عادتهم ، كانت في ذلك الوقت كثيرة ، يستحيل في
مثلها التواطؤ ؛ لأتعبناك أو أعجزناك ؛ لأنّ الفصحاء وإن علمنا وفورهم في أزمان
التحدّي وظهورهم ، فليس كلّ من جاد في الفصاحة طبعه ، وعلت منزلته ، وتصرّف في
النّثر والنّظم ، يجب أن يعلم ما ذكرناه ؛ لأنّا نرى في زماننا وفيما تقدّمه ، من
هذه صفته ، وهو لا يفرّق بين مواضع من القرآن ، وفصيح كلام العرب في الفصاحة. وما
لا يزال يقال في مثل هذا من أنّ أولئك كانوا على الفصاحة مطبوعين ومن عادتهم لها
مكتسبين ، لا يغني شيئا.