أحد ولا أبصروا من عمى ولا قصدوا من جور ، فقال عثمان : حتّى متى يا ابن عبّاس يأتيني عنكم ما يأتيني ، هبوني كنت بعيدا أما كان لي من الحقّ عليكم أن أراقب وأنا أنظر؟ بلى وربّ الكعبة ولكن الفرقة سهّلت لكم القول فيّ ، وتقدّمت بكم إلى الإسراع إليّ والله المستعان.
قال ابن عبّاس : مهلا حتّى ألقى عليّا ثمّ أحمل إليك على قدر ما أرى فقال : افعل ، فقد فعلت وطال ما طلبت فلا أطلب ولا أجاب ولا أعتب قال ابن عبّاس : فخرجت فلقيت عليّا وإذا به من الغضب والتلظي أضعاف ما بعثمان ، فأردت تسكينه فامتنع فأتيت منزلي وأغلقت بابي واعتزلتهما ، فبلغ ذلك عثمان فأرسل إليّ فأتيته وقد هدأ غضبه فنظر إليّ ثمّ ضحك فقال : يا ابن عبّاس ما أبطأ بك عنّا إن تركك العود إلينا لدليل على ما رأيت عند صاحبك وعرفت من حاله ، فالله بيننا وبينه ، خذ بنا في غير ذلك ، قال ابن عبّاس : فكان عثمان إذا أتاه بعد ذلك عن عليّ شيء فأردت التكذيب عنه يقول : ولا يوم الجمعة حين أبطأت عنّا وتركت العود إلينا فلا أدري كيف أردّ عليه (١).
الثالث عشر : ابن أبي الحديد قال : روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عبّاس رحمهالله قال : شهدت عتاب عثمان لعليّ عليهالسلام يوما فقال له في بعض ما قال له : نشدتك الله أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقا وابن الخطّاب كطاعتك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولست بدون واحد منهما وأنا أمسّ بك رحما وأقرب إليك صهرا ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جددا فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة؟ وإن كانا أحسنا فيما وليا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما؟ فقال عليّعليهالسلام : أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بابا وأسهّل إليها سبيلا ولكنّي أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأمّا عتيق وابن الخطّاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلىاللهعليهوآله لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين؟ فأمّا أن لا يكون حقّي ، بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السّهم الثغرة ، وامّا أن يكون حقّي دونهم فقد تركته لهم ، طبت به نفسا ونفضت يدي منه استصلاحا ، وامّا التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما ، إنّهما ولّيا هذا الأمر فظلفا أهلهما وأنفسهما عنه ، وعمت فيه وقومك عوم السائح في اللجّة فارجع إلى الله أبا عمرو ، وانظر هل بقي من عمرك إلّا كظم الحمار؟ فحتى متى؟ وإلى متى؟ ألا تنهي سفهاء بني أميّة عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٩.