وهي علىٰ ما عرفتَ من الوضع ؛ عنه يقـال في الشـدّة : « بين ذارعي وجبـهـة الأسـد » (١) ، تـتقاذفهـا لهـوات الكُـرب ، وتلوكهـا وتمضـغها أنيـاب النـوب ، حتّـىٰ إنّ ابن زياد أعجَـمَ عُـودَها (٢) ، فرآهـا صـلبـاً مـرّاً ، لا يلين لغامز ، ولا يلـذّ لماضِـغ ، وأنّها لا تنقطـع ولا تكـلّ ، ولا تعرف للرهبة وللخوف معنىً ، وخشـي أن لا تُبقي من هتكه وفضيحتـه باقيـة ، وأن تقلـب عليه الرأي العـامّ ، وتُحْـدِث في جماعتـه فتقاً لا يرتق ، غيَّـرَ من خطّـته ، وتنازل عن غُـلوائه (٣) وشـدّته ، فكان آخـر كلامـه معهـا بعد أن شـفت غليلها منه : لعمري إنّها لسـجّاعة ، ولقد كان أبوها أسـجع منهـا (٤) ؟ !
لا يا بن مرجانة ! ما هي بسـجّاعة ، هي أُمثولة الصبر والثبات ، ورمز غلبة الحقّ علىٰ الباطل ، وٱحتقار الحكم الزائف والملك الزائل ، وسـلطنة
__________________
(١) عجز بيت للفرزدق ، وتمامه :
يا مَن رأىٰ عارضاً أسرَّ به |
|
بين ذراعي وجبهة الأسدِ |
ٱنظـر : شـرح ديوان الفـرزدق : ٢١٥ ، كـتاب سـيبويه ١ / ١٨٠ ، إملاء ما مَنَّ به الرحمٰن : ٤٨٠ تفسير سورة الروم ، خزانة الأدب ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ .
وأورده صاحب مغني اللبيب : ٤٩٨ رقم ٧٠٧ وفي ص ٨٠٩ رقم ١٠٤٧ دون أن ينسـبه لأحد .
(٢) الـعَـجْـمُ : عَضٌّ شديدٌ بالأضراس دون الثنايا ، وعجم الشيء يعجمه عجماً وعجوماً : عضّه ليعلم صلابته مِن خَـورِه ورَخاوَته .
ٱنظر مادّة « عجم » في : لسان العرب ٩ / ٧٠ ، تاج العروس ١٧ / ٤٦٣ .
وأعجمَ عودَها : يعني اختبر قوّتها وصلابتها سلام الله عليها .
(٣) الـغُـلْواء ؛ سـرعةُ الشـباب وشِـرّته ، وغُـلَـواءُ كلّ شيء أوّلُـه وشِـرَّتـه .
ٱنظر : لسان العرب ١٠ / ١١٤ مادّة « غـلا » .
(٤) ٱنظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٧ ، مقتل الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ : ١٥٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٥ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ٤٧ ـ ٤٨ .