إنّ زينب العقيلة لمّا سـوّدت وجه ابن زياد ولطمته تلك اللطمة السـوداء بقولها : « ثكلتك أُمّـك يا بن مرجانة ! » ، اسـودّت الدنيا في عينه ، حيث عرف والحاضرون ما أرادت ، فَهَمَّ أن يضربها ، ولكنّ عمرو بن حريث ، وهو من أكبر القوّاد في جند ابن سـعد ، وكان أميراً علىٰ الرجّالة بعد أن كان من خواصّ أمير المؤمنين في صفّين ، أنكر عليه وجاءه بحجّة ، وهي أنّها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشـيء من منطقها ، فقال ابن زياد : « أما تراها كيف تجـرّأت علَيَّ ؟ ! » (١) .
كان الحسـين وأنصاره قد وقفوا يوم الطفّ موقفاً تجسّـمت فيه روح الشـجاعة والبسـالة ، وأصبح المثل الأعلىٰ للعزم والإقدام والاسـتهانة بهذه الحياة في سـبيل العـزّ والإباء ، ودون موارد الذلّ !
وقفوا موقفاً ما حدّثنا التاريخ بمثله ، ولا سـمع الدهر بنظيـره !
وقف سـبعون رجلا في مقابل سـبعين ألفاً ، ومددهم إلىٰ الكوفة ، بل إلىٰ الشـام متواصل ، وهؤلاء لا مدد لهم ، هؤلاء علىٰ شـاطئ النهر يكرعون منه ، وينتهلون كلّ حين ، وأُولئك قد حُبسـوا عن الماء يومين أو ثلاث ، والعطش وحرّ الهجير ورمال الصحراء أحرق أجسـادهم ، وفتّت أكبادهم ، وأطفالهم يتصارخون من العطش نصب أعينهم ، وعلىٰ احتفاف أضعاف ذلك الرزايا والمحن بهم .
نعـم ، ومـع كلّـه مـا هانـوا ولا اسـتـكانـوا ، ولا فـشـلوا ولا ذلّوا ، بل كانوا يزدادون بشـراً وطلاقة ، وعزماً وصلابة ، وعـزّاً وشـهامة .
حقّـاً إنّه لموقف باهر ، ومقام قاهر ، وحديث مدهش ، ونفوس
__________________
(١) ٱنظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٧ .