والجامعة (١) سـتقضي عليه وتكفي ابن زياد مؤنة قتله .
فإنّ سـلامة زين العابدين وبقاء حياته كان من خوارق العادة ، وعلىٰ خلاف مجاري الأسـباب ، ولو قُتل أو مات في تلك البرهة لانقَطَعَ نسـل الحسـين ، ولكن مشـيئة الله سـبحانه وقضاءه السـابق بأنّ الأئمّـة من ذرّيّته لا يردّ ولا يُغلب ، وكانت زينب هي السـبب في حفظه علىٰ الظاهر .
فليكن هذا وجهاً خامسـاً لحمل العيال ، فلعلّ الحسـين عرف العلّة والمرض لا يكفي في سـلامة ولده ، وأنّهم قد يقتلونه علىٰ مرضه ، وأنّ لزينب موقفها الباهر في المفاداة والدفاع عنه .
وكلّ غرضنا من سـحب أذيال هذا المقال ، أن يتجسّم لديك كيف كان الحال في كمّ الأفواه ، وعقل الألسـن ، وإرجاف القلوب ، ومشـق الحسـام لضرب الهام علىٰ أقلّ الكلام .
إذاً فمَن يَردّ تلك الأمانة ويؤدّي تلك الوديعة ، وديعة الحقّ ، وأمانة الصدق ، والانتصار للحقيقة ، وإزهاق الباطل ؟ !
نعم ، قُمْنَ بكلّ تلك الوظائف علىٰ أوفىٰ ما يرام ، وأتمّ ما يحصل به الغرض ، قُمْنَ به ودائع النبوّة وحرائر الوحي والرسـالة ، نهضن بتلك الأعباء الثقيلة التي تعجز عنها الأبطال وأُسـود الرجال .
كأنّ الحسـين عليهالسلام علم ـ ولا شـكّ أنّه علم ـ أنّه سـيُقتل هو وجميع أهل بيته وأنصاره ، ولا يبقىٰ رجل يتسـنّىٰ له الكشـف لجمهرة ذلك الخلق التعس عن فظاعة تلك الجناية وشـناعة تلك الجرائم السـيّئة ، ولو أهمل
__________________
(١) الجامعة : الـغُـلُّ ؛ لأنّها تجمع اليدين إلىٰ العنق .
ٱنظر : لسان العرب ٢ / ٣٥٩ مادّة « جمع » .