للمشـيّة القاهرة ، وكانت سـياسـة عن فلسـفة نظرية ، وتدابير بشـرية ، فهي هذه الملاحظة التي سـوف نبديها ونشـير إليها علىٰ الجملة حيث لا سـعة للتفصيل .
تقول أيّها الناقد : « إنّ الحسـين عليهالسلام كان يعلم أنّه يقتل » . .
نعم ، وأنا أقول كذلك ، بل يعلم أنّ جميع مَنْ معه مِن الرجـال ، بـل وكـثير من الأطفـال يُـقـتلون حـتّىٰ الرضيـع (١) ، ولا يفلت إلّا وَلَدهُ زين العابدين من أجل العلّـة والمرض .
فلمّا عَلِمَ ذلك كُلّه ، وَعَلِمَ أنّ بني أُميّة وأشـياعهم سـوف يموّهون ، بل كانوا قد موّهوا علىٰ المسـلمين أنّ الحسـين عليهالسلام خارج علىٰ إمام زمانه ، وهو يزيد المنصوب بالنصّ عليه بالاسـتخلاف من الخليفة الذي قبله وهو معاوية ، فالحسـين عليهالسلام بخروجه باغٍ ، وحكم الباغي القتل ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ) (٢) ، فتكون هذه الفتوىٰ وهذا التمويه أعظم علىٰ الحسـين مِن قتله .
وهذا الطلاء المبهرج ، وإنْ كان لا يخفىٰ علىٰ العارفين والنياقدة ، ولكنّهم بالضرورة خاضعون للسـلطة ، قد شـملتهم الذلّة ، وأخملتهم القلّة ، وألجمـهم الخـوف والتقيّة ، سـيّما بعد الفراغ من أمر الحسين عليهالسلام ، فلا رحمة لأحـد بعده ولا حرمة ، والناس كما قال هو سلام الله عليه يوم الطفّ ، وكما هو حالهم اليوم : « عبيد الدنيا ، والدين لعق علىٰ
__________________
(١) ٱنظر : مقتل الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ : ١٤٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٢ ، الملهوف علىٰ قتلىٰ الطفوف : ١٦٨ ـ ١٦٩ .
(٢) سورة الحجرات ٤٩ : ٩ .