لا يا هذا ! الحسـين أكبر ممّا تظنّ ، الحسـين أكبر من أن يتخلّص من طواغيت بني أُميّة الّذين أرادوا سـفك دمه في حرم الله فتنتهك به حرمة الحرم ، كما فعل ابن الزبير وفعلوا به ، هو أكبر من أن يخلص بنفسـه ويترك عياله يشـرئبّون إليه ويتطلّعون إلىٰ أخباره ويناشـدون الركبان عنه .
وأمّا ما تخيَّلْتَهُ من أنّ هتك الحريم لا يقدم الغيور عليه مهما كان الأمر ، فهو وَهمٌ زائف ، وقد عرَّفناك أنّ الهتك المُشـين هو الذي يلمس أذيال العفّة ، ويمسّ ذلاذل (١) الشـرف ، لا الذي تسـتحكم به أسـوار الصون وسـياج العفاف .
وبعد هذا كلّه ، فهل أقنعك هذا الوجه ، وعرفت كيف كانت منزلة الحسـين عليهالسلام من عظمة الشـأن وسـموّ السـلطان ؟ !
وهناك وجه ثالث لحمل العيال ، وهو : كما كانت العرب عليه من أنّهم إذا أرادوا أن يسـتميتوا في الحرب ، ويصبروا للطعن والضرب ، جعلوا الحريم خلفهم ، وٱسـتقبلوا العدوّ ، فأمّا الحتف أو الفتح ، ويسـتحيل عندهـم النكوص أو الفرار ، وترك الحريم للذلّ والإسـار ، ويشـهد لهذا عدّة وقائع لا تغيب عن الضليع في تاريخ العرب (٢) ، عليه حَمَلَ العيال كي يسـتميت أصحابه دونها ، وينالوا درجة السـعادة بالشـهادة كما فعلوا .
وهناك وجه رابع لعلّه أوجه من تلك الوجوه ، وأقربها إلىٰ الحقيقة ، وإنْ كانت للحسـين عليهالسلام ملحوظة وراء التعبّد والانقياد والرضا والتسـليم
__________________
(١) ذلاذل القميص : ما يَلي الأرض من أسافله ، الواحد ذُلذُلٌ .
ٱنظر : لسان العرب ٥ / ٥٧ مادّة « ذلل » .
(٢) ٱنظر : تاريخ الطبري ١ / ٤٧٦ ـ ٤٨٢ أحداث معركة ذي قار ، وج ٢ / ١٦٦ أحداث غزوة حنين سـنة ٨ هـ .