والطِسـاس (١) من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمسـاً عزلت عنه وسـقي آخر حتّىٰ سـقوها عن آخرها .
فانظر أوّلاً وٱعجب ما شـئت بهذا الحنان والرحمة والعطف والإشـفاق ، فإنّ القوم الّذين سـقاهم الحسـين عليهالسلام كانـوا أعداءه ، وقـد جاءُوا مِنْ قِبَل ابن زياد للقبض علىٰ الحسـين عليهالسلام ، حتّىٰ إنّ عليّ بن طعّان المحاربي ـ وهو عراقي من أصحاب الحرّ ـ لم يعرف كيف يشـرب من الراوية (٢) وكيف يخنث (٣) السـقاء كما يفعله الحجازي ، فكان يشـرب والماء يسـيل علىٰ أشـداقه وثيابه ، فنزل الحسـين عليهالسلام بنفسـه وخنث السـقاء حتّىٰ شـرب وٱرتوىٰ (٤) .
وٱعجب ثانياً لإيثاره بالماء في بادية قحلاء وصحصحان أجرد (٥) ، والماء فيه أعزّ من الذهب ، وقد لا يجدونه في يومين أو ثلاثة أو أكـثر ،
__________________
(١) الـطَّـسُّ : الـطَّـسْـتُ من آنية الصفر ، أُنثىٰ تُذكَّر ، وهي فارسية ، والجمع : طِسـاس .
ٱنظر : تاج العروس ٣ / ٩٠ مادّة « طسـت » وج ٨ / ٣٤٠ مادّة « طسـس » .
(٢) الراوية : هو البعير أو البغل أو الحمار يُستقىٰ عليه الماء ، والراوية هنا هي المِزادة والوعاء الذي يكون فيه الماء ، سمّيت راوية لمكان البعير الذي يحمله .
ٱنظر : لسان العرب ٥ / ٣٨٠ مادّة « روي » .
(٣) خَنَثَ : ثَـنَىٰ وكَسَرَ ، خنَثَ فَمَ السِّقاء : ثنىٰ فاهُ وكَسَرَه إلىٰ الخارج ، فشرب منه ، وإن كَسَرَهُ إلىٰ الداخل فقد قَبَعَهُ .
ٱنظر : تاج العروس ٣ / ٢٠٧ مادّة « خنث » .
(٤) ٱنظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٥ ، مقتل الحسـين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ .
(٥) الصَّحْصَحُ والصِّحصحاحُ والصَّحصحان : كلّه ما استوىٰ من الأرض وجَرَد ، والجمع : الصحاصِحُ ؛ والصَّحصحُ : الأرض الجرداء المستوية ذات حصىً صغـار ، وأرض صحـاصحُ وصحصحـان : ليس بها شيء ولا شجر ولا قرار للماء .
ٱنظر : لسان العرب ٧ / ٢٨٨ مادّة « صحح » .