المتشـرّد الخائف ، والنافر الفزع ، ولم يرض لنفسـه إلّا أن يظهر بأسـمىٰ مظاهر الأُبَّهَةِ والهَيْبَةِ والجَلالِ والحِشْمَةِ في الموكب الملوكي ، وفخامة الملك والسـلطان .
ومن المعلوم أنّ لحمل الحرم والعائلة من لوازم الفخامة والعظمة ، وشـوكة المناطق والسـرادق ، ما لا يحصل بدونها ، ولو خرج سـلام الله عليه من أوطانه وترك عقائله في عقر دارهم لكان خروجه أشـبه ما يكون بصعاليك العرب وأهل الغزو والغارات والمتلصّصين ، وحاشـا لسـيّد أهل الإباء أن يرضىٰ لنفسـه بتلك المنزلة والخطّة السـافلة ، بل سـار بأهله وذراريه ليكون علىٰ مهاد الدعة والسـكينة والهدوء والطمأنينة ، كَسَـيْر أكبـر ملـك من ملوك الدنيا وأوسـعهم في القـدرة والسـلطان .
ولا تخالنّ في كلمتي هذه ضرباً من الخيال ، أو شـيئاً من المبالغة والغلوّ ؛ كلّا ، فإنّك لو نظرت إلىٰ بعض الخصوصيات في سـيره لوجدت منها أوثق شـاهد لك علىٰ ما ادّعيناه .
أنْعِمِ النظر في قصّـة الحرّ التي اتّـفقت علىٰ نقلها أرباب المقاتل وأُمناء التاريخ والسـيَر (١) ، حيث التقىٰ بالحسـين في قفر من الأرض لا ماء فيـه ولا كلاء ، وقد أمضّ به وبأصحـابه العطش ، وَهُمْ زُهاءَ ألف فارس علىٰ ألف فرس ، فقال الحسـين عليهالسلام لفتيانه : « اسـقوا القوم وأوردوهم الماء ، ورشّـفوا الخيل ترشـيفاً » ، ففعلوا وأقبلوا يملأُون القِصاع (٢)
__________________
(١) تقـدّمت الإشارة إلىٰ ذلك في الصفحة ٣٢٠ هـ ١ ؛ فراجـع !
(٢) الـقَـصْـعَـةُ : الـصَّـحفة أو الـضَّـخمة منها تشـبع العشرة ، والجمع : قِصاعٌ وقِصَـعٌ وقَـصَعات .
ٱنظر مادّة « قصع » في : لسان العرب ١١ / ١٩٣ ، تاج العروس ١١ / ٣٧٥ .