ثم ينقل ـ وبعد
كلامه الآنف الذكر بأثر واحد قول أبي بكر بن إسحاق : «الظلم عند العرب هو فعل ما
ليس للفاعل فعله ، وليس من شيء فعله الله إلّا وله فعله ..» .
والمعنيان اللذان
يذكرهما الأشاعرة في معنى الظلم الذي نزّه الله عنه نفسه ، وإن كانا صحيحين في حق
الله ـ عزوجل ـ لكنهما ليسا المعنى الصحيح للظلم الذي نزه الله عنه نفسه
، بل هو خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة في معنى الظلم.
إذ إن الظلم عند
أهل السنّة هو : «وضع الشيء في غير موضعه» وهو معناه ـ أيضا ـ في اللغة : يقال : «من
أشبه أباه فما ظلم» وفي المثل : «من استرعى الذئب فقد ظلم» ويقال : ظلم الرجل سقاءه ، إذا سقى منه قبل أن يخرج زبده ،
والظليمة والظليم : اللبن يشرب منه قبل أن يروب ويخرج زبده ، قال الشاعر :
وصاحب صدق لم
تربني شكاته
|
|
ظلمت ، وفي ظلمي
له عامدا أجر
|
قال في «اللسان»
في شرح البيت : «هذا سقاء سقي منه قبل أن يخرج زبده ، وظلم وطبه ظلما إذ سقى منه
قبل أن يروب ويخرج زبده» .
وتقول العرب : هو
أظلم من حيّة ؛ لأنّها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه» .
وعلى هذا المعنى
بنى أهل السنة معنى الظلم الذي تنزه الله ـ عزوجل ـ عنه ، وهو ما فسّر به سلف الأمة وأئمتها .
__________________