فذهب الشافعيّ في هذا إلى أن الله تعالى خلقه لا حكم له في نفسه ، وإنما هو تبع لأبويه في الدين في حكم الدنيا حتى يعرب عن نفسه بعد البلوغ ، والذي روينا في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الزيادة يؤيد هذا المعنى وهو قوله : «فإن كانا مسلمين فمسلم» ، فأمّا في الآخرة فقد بين حكمه فيها في آخر الخبر فقال حين سئل عمن مات منهم وهو صغير : «الله أعلم بما كانوا عاملين».
وإلى مثل معنى ما حكينا عن الشافعيّ ذهب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في حكمهم في الدنيا ، وكأنّه عن كتاب الشافعي أخذه ثمّ زاد فيه.
٦٠٩ ـ أخبرنيه أبو عبد الرحمن السلميّ ، إجازة أن أبا الحسن بن صبيح أخبرهم قال : نا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال : قال إسحاق : معنى قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم على ما فسره أبو هريرة حين قرأ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (١) يقول : تلك الخلقة التي خلقهم لها إما جنّة وإمّا نار حيث أخرج من صلب آدم كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة فقال : «هؤلاء للجنّة وهؤلاء للنّار» فيقول : كل مولود يولد على تلك الفطرة ، ألا ترى أن غلام الخضر الذي / قتله الخضر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «طبعه الله يوم طبعه كافرا» وهو بين أبوين مؤمنين فعلم الله الخضر خلقته التي خلقه لها ولم يعلم موسى ذلك فأراه الله تلك الآية ليرفعه الله بها ويزداد علما إلى علمه ، وقوله : «أبواه يهودانه أو ينصرانه» يقول : بالأبوين بين لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها ، يقول : إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الأبوين في الصلاة والأحكام والمواريث ، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما حكم الكفر ؛ أي في المواريث والصلاة وخلقته التي خلقته لها لا علم لكم بذلك. ألا ترى أنّ ابن عباس حين كتب إليه نجدة الحروريّ في قتل صبيان المشركين فكتب إليه : إن علمت من صبيانهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فاقتلهم. أي
__________________
(١) سورة الروم ، الآية رقم (٣٠).