فليس في الوجود شيء مناف لطبيعة علله ، وأسبابه ؛ إذ المعلول لا ينافي العلّة ، والحركات المتنافرة الغير المنتظمة بالقياس إلى طبيعة جزئية متلائمة منتظمة بالقياس إلى طبيعة الكلّ ، وكذا النغمات الغير المؤتلفة ، والأشعار الغير الموزونة مؤتلفة موزونة بالقياس إلى النظام الكلّي.
ووجود الأصابع الزائدة على خلقة الإنسان طبيعي في جبلّة العالم ، وكذا كلّ عمر فهو بالقياس إلى الكلّ طبيعي ، وإن لم يكن طبيعيا على الإطلاق.
فصل
وبمثل ذلك نبيّن أن مجموع العالم من حيث المجموع أيضا على أكمل خلقة ، وأتمّ نظام ، ولو تيسّر لك أن تعلم كلّ شيء بأسبابه وعلله ، بأن تخرج من هذه الهاوية المظلمة مهاجرا إلى الله ، وترتقي إلى السماوات وما فوقها ، إلى أن تعرف المبدأ الأوّل حقّ معرفته ، ثمّ ما يتلوه من الملائكة العلميّة ، ثمّ ما يتلوها من الملائكة العمّالة بإذن ربّها ، ممن يباشر تحريك الأفلاك ، ثمّ الأجسام الفلكية مع لوازم حركاتها من الكائنات ، لرأيت جميع الأشياء حسنا عندك ، ملائما لديك ، وعرفت هذا المعنى بالوجدان ، كا عرفته الآن بالبرهان.
ولنا أن نبيّن هذا أيضا بمثل البيان الّذي ذكرناه في سلسلة البدو ، بأن نقول : لو أمكن نظام جملي آخر ، أشرف من هذا ، أو مثله ، لكان إمكانه مستدعيا لمبدأ أوّل هو أشرف من الله سبحانه ، أو مكافئا له ، وكلاهما ممتنع.
وأيضا فإنّ العلة الغائية في وجود العالم هي ذات المبدأ الأعلى ، وعلة بدوه بعينها علّة تمامه ، وكلّ ما هو غايته أجلّ الأشياء ، فهو في غاية الشرف المتصوّر في حقّه ، لا محالة.