فصل
إذا ثبت أن المحسوس ـ بما هو محسوس ـ لا بدّ أن يكون له وجود وضعي بالنسبة إلى جوهر الحاسّ ، والوجود الوضعي للشيء لا يكون إلّا بالنسبة إلى ما يباينه في الوضع ، داخلا فيه ، أو محيطا به ، أو كونه منه في جهة.
فإذا أخذ العالم الجسماني بجميع أجزائه شيئا واحدا لا يكون للمباين له بهذا المعنى وجود ، لا بالفعل ، ولا بالقوة ، فالعالم كله غير محسوس ، بل وجوده متوسّط بين المعقول والمحسوس ، ذو وجهين إليهما ، فافهم.
فصل
ألطف هذه الحواس ، وأشرفها ، السمع والبصر ؛ لأنّ صورة مدركاتهما أرفع درجة من المادة ، وأكثر انتزاعا منها ، مع أن كلّ إدراك إنّما يحصل بضرب من التجريد للصورة إلّا أن مدركيهما أشد تجريدا من مدركات البواقي ؛ ولهذا لا لذّة لهما ، ولا ألم من محسوسيهما ، من حيث هما محسوساهما ، بل النفس تلتذّ بذاك ، وتتألّم ، فإن تألّمت الأذن من صوت شديد ، والعين من ضوء مفرط ، فليس تألّمهما من حيث يسمع ، أو يبصر ، بل من حيث يلمس ؛ لأنّه يحدث فيه ألم لمسي ، وبزواله لذّة لمسية ؛ لتركّبهما أيضا من الكيفيات الأول ، فلا جرم لهما لذّة وألم منها أيضا.
وهذا بخلاف الثلاثة الأخر ، فإنّ الشم والذوق يتألّمان ، ويلتذّان إذا تكيّفا بكيفية منافرة ، أو ملائمة ، من حيث إنها محسوستهما ، واللمس قد يتألّم بالكيفية