واللب ، وعالم
الكدورة والقشر. فاتصل بعضه ببعض ، وكان آخر هذا العالم من بدء ذلك العالم. فمن
وجه لم يكن بينهما فرق ، فلم يكن هذا العالم داثرا ، إذ كان متصلا بما ليس يدثر.
ومن وجه : دثرت القشور ، وزالت الكدرة. وكيف تكون القشور غير داثرة ولا مضمحلة؟
وما لم تزل القشور باقية كانت اللبوب خافية ، وأيضا فإن هذا العالم مركب ، والعالم
الأعلى بسيط ، وكل مركب ينحل حتى يرجع إلى البسيط الذي تركب منه ، وكل بسيط باق
دائما غير مضمحل ولا متغير».
قال الذي يذبّ عن
برقلس : هذا الذي نقل عنه هو المنقول عن مثله ، بل الذي أضاف إليه هذا القول الأول
لا يخلو من أحد أمرين : إما أنه لم يقف على مرامه للعلة التي ذكرنا فيما سلف ،
وإما لأنه كان محسودا عند أهل زمانه ، لكونه بسيط الفكر ، واسع النظر ، ساير
القوى. وكانوا أولئك أصحاب أوهام وخيالات. فإنه يقول في موضع من كتابه : إن
الأوائل منها تكونت العوالم ، وهي باقية لا تدثر ولا تضمحل ، وهي لازمة الدهر ،
ماسكة له ، إلا أنها من أول واحد ، لا يوصف بصفة ، ولا يدرك بنعت ونطق ، لأن صور
الأشياء كلها منه وتحته. وهي الغاية والمنتهى التي ليس فوقها جوهر هو أعظم منها
إلا الأول الواحد ، وهو الأحد الذي قوته أخرجت هذه الأوائل ، وقدرته أبدعت هذه
المبادي.
وقال أيضا : إن
الحق لا يحتاج إلى أن يعرف ذاته ، لأنه حق حقا بلا حق ، وكل حق حقا فهو تحته ؛
إنما هو حق حقا إذ حققه الموجب له الحق. فالحق هو الجوهر الممد للطباع الحياة
والبقاء ، وهو أفاد هذا العالم بداء وبقاء بعد دثور قشوره. وزكى البسيط الباطن من
الدنس الذي كان فيه قد علق به.
وقال : إن هذا
العالم إذا اضمحلت قشوره وذهب دنسه ، وصار بسيطا روحانيا بقي بما فيه من الجواهر
الصافية النورانية في حد المراتب الروحانية ، مثل العوالم