كان التفاسد في العناصر إنما هو لتضاد حركاتها. والحركة الدورية لا ضد لها ، فلم يقع فيها فساد. قال : وكليات العناصر إنما تتحرك على استدارة وإن كانت الأجزاء منها تتحرك على الاستقامة. فالفلك وكليات العناصر لا تفسد ، وإذا لم يجز أن يفسد العالم لم يجز أن يتكون.
وهذه الشبهات هي التي يمكن أن يقال عنها فتنقض ، وفي كل واحدة منها نوع مغالطة وأكثرها تحكمات. وقد أفردت لها كتابا أوردت فيه شبهات أرسطوطاليس ، وهذه ، وتقريرات أبي عليّ بن سينا ، ونقضتها على قوانين منطقية ، فليطلب ذلك.
ومن المتعصبين لبرقلس من مهد له عذرا في ذكر هذه الشبهات (١) وقال : إنه كان يناطق الناس منطقين أحدهما : روحاني بسيط ، والآخر : جسماني مركب. وكان أهل زمانه الذين يناطقونه جسمانيين. وإنما دعاه إلى ذكر هذه الأقوال مقاومتهم إياه ، فخرج من طريق الحكمة والفلسفة من هذه الجهة ، لأن من الواجب على الحكيم أن يظهر العلم على طرق كثيرة ، يتصرف فيها كل ناظر بحسب نظره ، ويستفيد منها بحسب فكره واستعداده ، فلا يجدوا على قوله مسلخا ، ولا يصيبوا مقالا ولا مطعنا ، لأن برقلس لما كان يقول بدهر هذا العالم ، وأنه باق لا يدثر ، وضع كتابا في هذا المعنى ، فطالعه من لم يعرف طريقته ، ففهموا منه جسمانية قوله دون روحانيته ، فنقضوه على مذهب الدهرية وفي هذا الكتاب يقول : «لما اتصلت العوالم بعضها ببعض ، وحدثت القوى الواصلة فيها ، وحدثت المركبات من العناصر ، حدثت قشور ، واستبطنت لبوب فالقشور دائرة ، واللبوب قائمة دائمة لا يجوز الفساد عليها ، لأنها بسيطة وحيدة القوى. فانقسم العالم الى عالمين : عالم الصفوة
__________________
(١) فهو بشبهاته يذهب بما يذكره فيها من أدلة إلى قدم العالم ، ويدلل عليه بما يذكره مازجا أدلته بعقيدة وجود الخالق عزوجل ، وهذا ما تأباه طبيعة الدين ، وما ينطبق به القرآن الكريم من الآيات التي تثبت الاختيار لله سبحانه وتعالى.