* وروى الفيض الكاشاني رحمهالله : لما سئل بعض أئمتنا عليهمالسلام من عموم الآية المذكورة فقال : « جزناها وهي خامدة » (١).
واما اذا لم يقطع الانسان تلك المنازل في الاُولى فانّه مضطر لا محالة الى قطعها بعد تجرّد روحه وموته وانقطاعه عن الجسم العنصري ، لأنه حين انكشاف ما غطّي عليه ، ويرى كل ما كان يسمع به كما قال تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٢) فعندما تقوم قيامته الصغرى وقيامته الكبرى فسوف يرى تلك المنازل ـ التي لم يقطعها ولم يتعرف عليها أو لم يصدّق بها ـ رأي العين ، وعليه أن يقطعها ولكنه يتحمل صعوبة ومشاق كسله في الاُولى ، أو جهله ، أو عناده وكفره ، فسوف يمرّ عليها جاهلاً ويقع فيها مظلماً ، لأنه لم يهيّىء لسفره هذا نوراً يمشي به وفيه عندما يدخل الآخرة فلذلك تجده أعمى بلا هادي ولا دليل كما قال تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) (٣).
وقال تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ) (٤)
وقال تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) (٥).
والعرفاء الصالحون اعتبروا قطع تلك المنازل في الاُولى السبب الاساس لقطع تلك المنازل في الآخرة بيسر وسهولة ، لأنهم رأوا من أخبر به النص الشريف من ضرورة الاعداد لسفر الآخرة ومنازله وموافقه ، ولا يتم ذلك الاعداد إلاّ بمعرفة السفر ومعرفة مراحله ومنازله وأخذ العدة لكل مرحلة ولكل منزل ثمّ يسير تلك المنازل منزلاً فمنزلاً وموقفاً فموقفاً وقطعها في الاُولى بالمجاهدات والرياضات كما أخبر به الهادي ، وانّ اتباع الهادي في الاُولى سوف يؤمن وجوده في الآخرة
__________________
(١) علم اليقين : ج ٢ ، ص ٩٧١ ، المقصد الرابع ، الباب ٩ ، الفصل ٢ (في معنى الصراط).
(٢) سورة ق : الآية ٢٢.
(٣) سورة الاسراء : الآية ٧٢.
(٤) سورة طه : الآية ١٢٣ ـ ١٢٦.
(٥) سورة النور : الآية ٤٠.