وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة ، علما منه بمآل الأمور واحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع المقدر ، ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على امضاء حكمه وانقاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلا عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية وانقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الصراط المستقيم ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وايثار».
إلى أن قالت «وهذا كتاب الله بين اظهركم ، اموره ظاهرة واحكامه زاهرة واعلامه باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة ، لقد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟».
إلى أن تقول : «وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» ثم قالت : «أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ يقول (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وقال تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقال (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) والخطبة طويلة ، وقد كتب العلماء والمؤلفون في بيان خطبة فاطمة عليهاالسلام كتب كثيرة.
ومن جواب الخليفة ابي بكر لفاطمة الزهراء تتجلى قيمة الزهراء عليهاالسلام في العالم الاسلامي ومنزلتها في النفوس ، إذ قال ابو بكر في جوابها : يا ابنة رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما رءوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما ، فان عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا الفك