(س) فمن الجواز قوله
«اسْتَرْقُوا لها فإنّ بها النّظرة» أى اطلبوا لها من يرقيها.
(س) ومن النّهى قوله
«لا يَسْتَرْقُونَ ولا يكتوون» والأحاديث فى القسمين كثيرة ، ووجه الجمع
بينهما أنّ الرُّقَى
يكره منها ما كان
بغير اللّسان العربىّ ، وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه فى كتبه المنزّلة ،
وأن يعتقد أن الرُّقْيَا نافعة لا محالة فيتّكل عليها ، وإيّاها أراد بقوله «ما
توكّل من اسْتَرْقَى» ولا يكره منها ما كان فى خلاف ذلك ؛ كالتّعوّذ بالقرآن
وأسماء الله تعالى ، والرُّقَى المرويّة ، ولذلك قال للذى رَقَى بالقرآن وأخذ عليه
أجرا : «من أخذ
بِرُقْيَة باطل فقد أخذت
برقية حقّ».
(س) وكقوله فى
حديث جابر «أنه عليه الصلاة والسلام قال : اعرضوها علىّ ، فعرضناها فقال : لا بأس
بها ، إنّما هى مواثيق» كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفّظون به ويعتقدونه
من الشّرك فى الجاهلية ، وما كان بغير اللسان العربىّ ، ممّا لا يعرف له ترجمة ولا
يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله.
(س) وأمّا قوله «لا رُقْيَة إلّا من عين أو حمة» فمعناه لا رُقْيَة أولى وأنفع. وهذا كما قيل : لا فتى إلّا عليّ. وقد أمر
عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بالرُّقْيَةِ. وسمع بجماعة
يَرْقُونَ فلم ينكر عليهم.
(س) وأمّا الحديث
الآخر فى صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب «هم الذين لا يَسْتَرْقُونَ ولا يكتوون ، (وَعَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ)» فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدّنيا الذين لا
يلتفتون إلى شىء من علائقها. وتلك درجة الخواصّ لا يبلغها غيرهم ، فأمّا العوامّ
فمرخّص لهم فى التّداوى والمعالجات ، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله
بالدعاء كان من جملة الخواصّ والأولياء ، ومن لم يصبر رخّص له فى الرُّقْيَةِ
والعلاج والدّواء ، ألا ترى أن الصّدّيق لمّا تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه ، علما
منه بيقينه وصبره ، ولمّا أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذّهب وقال : لا أملك
غيره ضربه به ، بحيث لو أصابه عقره ، وقال فيه ما قال.
(س) وفى حديث
استراق السّمع «ولكنهم يُرَقُّونَ
فيه» أى يتزيّدون.
يقال : رَقَّى فلان على الباطل إذا تقوّل ما لم يكن وزاد فيه ، وهو من الرُّقِيِ : الصّعود والارتفاع. يقال رَقِيَ
يَرْقَى