وأما زهد علي (ع) فحسبك فيه ما تواتر نقله عن حملة الآثار عند أهل السنّة وغيرهم من جميع الملل والأديان ، فقد سجّلوا عليه أنّه (ع) طلق الدنيا ثلاثا ، وكان (ع) يخاطب الدنيا ويقول : «أليك عنّي يا دنيا غرّي غيري ، أبي تعرضت؟ أم إليّ تشوقت؟ لقد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك».
وهو القائل في كتابه الذي كتبه إلى عثمان بن حنيف ، وكان يومئذ عامله على البصرة ، حينما بلغه أنّه دعي إلى مأدبة من بعض فتيان أهلها : «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، أو يقودني جشعي ، إلى تخير الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز ، أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع. إلى آخر الكتاب» المسجّل في (نهج البلاغة).
كما أنّهم سجّلوا عليه (ع) أنّه لم ينازع القوم ، ولم يجاهدهم على أخذ حقّه ، ودفعهم له عن مقامه الذي رتّبه الله تعالى فيه يحكم ما تقدم من النصوص النبويّة الجلية حياطة منه (ع) على الدين ، وحقنا لدماء المسلمين من جهة ، واحتفاظا بحقّه من جهة أخرى ، وإن أردتم المزيد من أحواله ، وزهده (ع) فعليكم بمراجعة (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد لتعلموا ثمّة أنّه هكذا يجب أن تكون حياة إمام الأمّة وهاديها بعد النبي (ص) إلى الصراط المستقيم.