بالعادة المطردة في أمّة محمد (ص)» ، فيعطيكم صورة واضحة عن الاعتراف بولادته (ع) ، ولكنه يرى أنّ بقاءه هذه المدة يعرف كذبه بالعادة المطردة ، للحديث الذي أورده وللتعليل العليل الذي جاء به «من أنّ أعمار خير أمّة إنّما يكون من الستين إلى السبعين» فهو يريد أن ينفي بقاءه هذه المدة للصحيح المزعوم ، والعادة المخرومة.
وليت ابن تيمية علم أنّ الخوارق الجارية على أيدي الأنبياء (ع) كلّها من هذا القبيل أيضا ، وما المانع العقلي أن يكون بقاؤه معجزة من معجزات سيد الأنبياء (ص) كبقية معجزاته (ص) الخالدة؟ ثم إنّ العادة لا يحصل معها العلم بموته (ع) ، فإنّه إذا ما ثبت تولده ، وثبتت غيبته بالدلائل القطعية ، كما تقدم تحقيقه ، فليس بد من ظهوره بعد غيبته كما نطقت به الأحاديث المتواترة بين الفريقين ، ولأنّه لا يوجد ما يدلّ على موته بعد ثبوت ولادته (ع) ، فيلزم من ذلك أن نحكم بحياته وبقائه إلى حين ظهوره ، نزولا على حكم ذلك الاستصحاب الشرعي والعقلي معا ، أعني استصحاب حياته وبقائه لتواتر الأحاديث بولادته ، وبقائه حتى يخرج «فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» كما ذكرنا ، الأمر الذي يغنينا عن هذا الاستصحاب.
وأمّا ما ذكره من العادة ، فعلى فرض تسليم وجودها جدلا فلا تنهض دليلا على موته ، بل ولا يزول معها احتمال حياته وبقائه فضلا عن القطع به ، بل العلم بتولده ووجوده لا يزول إلّا بالعلم بموته فإنّ البرهان القطعي لا يزيله إلّا برهان قطعي مثله ، دون الظن ، والتخمين ، والاستبعاد ، والاستغراب ، والتعصب البغيض ، فإنّه لا حجّة في شيء منها إطلاقا. فالاحتجاج بالعادة على موته غير صحيح ، وعدم العلم ببقائه بعد تولده لا يكون علما بموته ولا دليلا على عدم وجوده ، ومن هذا الذي يا ترى أوحى إلى الإمام ابن تيمية بموته ، فحكم جازما بعدم وجوده؟ وكيف ساغ له الإخبار به وهو لا دليل له