من البلدان الإسلامية بنبوّة النبي (ص) وذلك لعلمهم بأنّ القتل والقتال لا يقع إلّا على طلب الملك والزعامة الدنيوية ، لا على النبوّة وصنوها الخلافة فيوجب ذلك وقوع الشكّ في صحة نبوّة النبي (ص) لا سيما وهم جديد والعهد بالإسلام خاصة إذا لاحظتم وجود من يتربص الدوائر بالإسلام من المنافقين ، ويريد الوقيعة فيه ، فهل تجدون حينئذ فسادا أعظم من أن يخرج عن الإسلام من دخل فيه بفعل المنافقين وتلبيسهم الأمر على البله المغفلين؟!!.
ومنها : إن ترك قتالهم يومئذ كان سببا لأن يكثر فيهم التشيع وفي التابعين إلى يومنا هذا. انظروا إلى (ميزان) الذهبي عند ترجمته لأبان بن تغلب من جزئه الأول فإنّكم ترونه يقول (ولقد كثر التشيع في التابعين وتابعيهم مع الدين ، والورع ، والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بيّنة).
ومنها : ذهاب السنن الدالّة على إمامته (ع) إن هو قاتلهم وقتلهم فيبقى الحقّ ملتبسا لا يعرف أين هو ، ولذلك ترونه قد رضي (ع) بالهدنة عند ما رفع أهل الشام المصاحف في صفين فانخدع بذلك جمّ غفير من أهل العراق فكان (ع) بإمكانه أن يقلب الصفّ على الصف لكنه (ع) آثر ذلك لأنّه أهون الضررين لعلمه (ع) برجوع الكثير منهم إلى الحق بعد خروجهم عليه فمثل هذه النتائج القيّمة والغايات الحسنة أوجب ترك قتالهم وأوجب مهادنتهم.
ثالثا : إنّ ترك علي (ع) قتال القوم لا يوجب الرضا بتقدمهم عليه ولا يقتضي سقوط حقّه في الخلافة بعد النبي (ص) ، وإلّا لزم أن يكون النبي (ص) ، بتركه قتال المشركين عام الحديبية ، ومحو اسمه من النبوّة ، معزولا عن النبوّة ، وراضيا بما ارتكبه المشركون ، وكان يومئذ معه أربعمائة وألف رجل على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص ٢٩