مخرج لهم عنه. فإن قيل : هذا سر لا يجوز إفشاؤه إلى عوام الخلق فلهذا لم يفشه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن حق النبي أن يفشيه إلى سوسه الّذي هو وصيه وخليفته من بعده ؛ وقد أفشاه إلى عليّ دون غيره ـ قلنا : وعليّ هل أفشاه إلى غير سوسه وخليفته ، أم لا؟ فإن لم يفشه إلّا إلى سوسه ، وكذا سوس سوسه وخليفة خليفته إلى الآن ـ فكيف انتهى إلى هؤلاء الجهّال من العوام حتى تناطقوا به وشحنت التصانيف بحكايته ، وتداولته الألسنة؟ فلا بد أن يقال : إن واحدا من الخلفاء عصى وأفشى السر إلى غير أهله فانتشر ، وعندهم أنهم معصومون لا يتصور عليهم العصيان؟ فإن قيل : السوس لا يذكره إلا مع من تعاهده عليه ـ قلنا : وما الّذي منع الرسول صلىاللهعليهوسلم من أن يعاهد ويذكره إن كان يجوز إفشاؤه مع العهد؟ فإن قيل : لعله عاهد وذكر ، ولكن لم ينقل لأجل العهد الّذي أخذ ممن أفشى إليه. قلنا : ولم انتشر ذلك فيكم وأئمتكم لا يظهرون ذلك إلّا مع من أخذ العهد عليه؟ وما الّذي عصم عهد أولئك دون عهد هؤلاء؟ ثم يقال : إذا جاز إفشاء هذا السر بالعهد فالعهد يتصور نقضه ، فهل يتصور أن يفشيه إلى من يعلم الإمام المعصوم أنه لا ينقضه ، أو يكفى أن يظنه بفراسته واجتهاده واستدلاله بالأمارات؟ فإن قلتم : لا يجوز إلا إلى من علم الإمام المعصوم أنه لا ينقضه بتعريف من جهة الله ، فكيف انتشرت هذه الأسرار إلى كافة الخلق ، ولم تنتشر إلا ممن سمع؟ فإما أن يكون المبلغ ناقضا للعهد ، أو لم يعاهد أصلا. وفى أحدهما نسبة المعصوم إلى الجهل ، وفى الآخر نسبته إلى المعصية ، ولا سبيل إلى واحد منهما عندهم.
وإن زعمتم أنه يحل الإفشاء بالعهد عند شهادة الفراسة فى المأخوذ عليه عهده أنه لا ينقضه استدلالا بالأمارات ففى هذا نقض أصل مذهبهم ، لأنهم زعموا أنه لا يجوز اتباع أدلة العقل ونظره ، لأن العقلاء مختلفون فى النظر ، ففيه خطر الخطأ ـ فكيف حكموا بالفراسة والأمارة التى الخطأ أغلب عليها من الصواب ، وفى ذلك إفشاء سر الدين هو أعظم الأشياء خطرا؟
وقد منعوا التمسك بالظن والاجتهاد فى الفقهيات التى هى حكم بين الخلق على