الظلم فى طرفى
الإعطاء والأخذ ، فإن ادعيتم حصول هذا الشرط نفرت القلوب عن التصديق ؛ وإن اعترفتم
باختلال الأمر فيه انخرم ما ادعيتموه من حصول الورع والتقوى.
قلنا : هذا السؤال
نكسر أولا سورته ، ثم ننبه على سر هو منتهى الإنصاف فنقول : إن صدر الاعتراض عن
باطنى فلعله لو راجع صاحبه الّذي يواليه واستقرى ما شاهده من هذه الأحوال فيه ،
افتضح فى دعاويه ، وكان الحياء خيرا له مما يورده ويبديه ، وإن صدر السؤال عن أحد
علماء العصر الذين يعتقدون خلو الزمان عن الإمام لفقد شرطه ، فيقال له : هون على
نفسك ، فإن دعوى وجود هذا الشرط غير مستبعدة ؛ فإن الأموال المنصوبة إلى الخزائن
المعمورة أربعة أصناف : الصنف الأول ارتفاع المستغلات ، وهى مأخوذة من أموال
موروثة له ، والصنف الثانى أموال الجزية ، وهى من أطيب ما يؤخذ. والصنف الثالث :
أموال التركات ، ولم يعهد منه قط إلى الآن الطمع فى تركة يتعين لاستحقاقها وارث ،
ومن لا وارث له فمنصبّه بيت المال ؛ الصنف الرابع : أموال الخراج المأخوذة من أرض
العراق ، ومذهب الشافعى وطوائف من العلماء أن أرض العراق وقف ـ وهى من عبّادان إلى
الموصل طولا ، ومن القادسية إلى حلوان عرضا ، إنه وقفها عمر رضى الله عنه على المسلمين ليكون جميع
خراجها منصبا إلى بيت المال ومصالح المسلمين ، فهذه هى الأموال المأخوذة ، وأخذها
جائز ، ويبقى النظر فى مصارفها ، وهى مع اختلاف جهاتها تحويها أربع جهات ، وفيها
تنحصر مصالح الإسلام والمسلمين :
الجهة الأولى : المرتزقة من جند الإسلام
، إذ لا بدّ من كفايتهم ، وأكثرهم فى هذا العصر مكفيون بثروتهم واستظهارهم ، ومقتدرون على كفاية
غيرهم ؛ ومع ذلك فقد أمدّهم الرأى الشريف النبوى فى هذه الأيام مدة مقام العسكر
بمدينة
__________________