وإظهار التوبة عند الظفر بهم ، فيلهجون بذلك مظهرين ويستهزءون بأهل الحق مضمرين ، وأما الخبر (١) فإنما ورد فى أصناف من الكفار دينهم أنه لا يجوز التصريح بما يخالفه ، وأن من التزم الإسلام ظاهرا صار تاركا للتهود والتنصر ـ هذا معتقدهم ، ولذلك تراهم يقطعون إربا إربا بالسيوف وهم مصرون على كفرهم ولا يسمحون فى موافقة المسلمين بكلمة ، فأمّا من كان دينه أن النطق بكلمة الإسلام غير ترك لدينه ، بل دينه أن ذلك عين دينه ، فكيف نعتقد بتوبته مما هو عين دينه والتصريح به وفاء لشرط دينه كيف يكون تركا للدين!؟
هذا ما ذكر من الخلاف فى قبول توبتهم. وقد استقصينا ذلك فى كتاب «شفاء العليل» فى أصول الفقه ، ونحن الآن نقتصر على ذكر ما نختاره فى هذه الفرقة التى فيهم الكلام ، فنقول : للتائب من هذه الضلالة أحوال : الحالة الأولى : أن يتسارع إلى إظهار التوبة واحد منهم من غير قتال ولا إرهاق واضطرار ، ولكن على سبيل الإيثار والاختيار متبرعا به ابتداء من غير خوف ، واستشعار هذا ينبغى أن يقطع بقبول توبته ، فإنا إن نظرنا إلى ظاهر كلمته صدّقناها موافقة لعين الإسلام. وإن نظرنا إلى سريرته كان الغالب أنها على مطابقة اللسان وموافقته ، فإنا لم نعرف الآن له باعثا على التقيّة ، وإنما المباح عندهم إظهار نقيض المعتقد تقية عند تحقيق الخوف ، فأمّا فى حالة الاختيار فهو من أفحش الكبائر ويعضد ذلك بأمر كلى وهو أنه لا سبيل إلى حسم باب الرشد عليهم ، فكم من عامى ينخدع بتخيل باطل ويغتر برأى قائل ثم ينتبه من نفسه أو ينبهه منبه لما هو الحق فيؤثر الرجوع إليه والشروع فيه بعد النزوع عنه ، فلا سبيل إلى حسم مسلك الرشاد على ذوى الضلال والعناد.
الحالة الثانية : الّذي يسلم تحت ظلال السيوف ، ولكنه من جملة عوامهم وجهّالهم لا من جملة دعاتهم وضلالهم ، فهذا أيضا تقبل توبته ، فمن لم يكن مترشحا للدعوة فضرر كفره مقصور عليه فى نفسه ، ومهما أظهر الدين احتمل كونه صادقا فى إسراره وإظهاره ، والعامى الجاهل يظن أن التلبيس بالأديان والعقائد مثل المواصلات والمعاقدات الاختيارية فيصلها مدة بحكم المصلحة ويقطعها أخرى ،
__________________
(١) الخبر : يعنى به ما ورد من فعل أسامة بن زيد رضى الله عنهما وما قاله له رسول الله صلىاللهعليهوسلم.