عن اتباعه ، عنادا ونكدا. فهذا الشخص لا يستباح سفك دمه ، ولا يحكم بكفره لهذه الأقاويل ، بل يحكم بكونه ضالا مبتدعا فيزجر عن ضلاله ، وبدعته بما يقتضيه رأى الإمام ، فأما أن يحكم بكفره ويستباح دمه بهذه المقالات ، فلا! وهذا إنما يقتصر على تضليله وتبديعه إذ لم يعتقد شيئا مما حكينا من مذهبهم فى الإلهيات وفى أمور الحشر والنشر ، ولكنه لم يعتقد فى جميع ذلك إلا ما نعتقده ؛ وإنما تميز عنا بالقدر الّذي حكيناه الآن. فإن قيل : هلا كفرتموهم بقولهم إن مستحق الإمامة فى الصدر الأول كان عليا دون أبى بكر وعمر ومن بعده وأنه دفع بالباطل ، وفى ذلك خرق لإجماع أهل الدين؟ قلنا : لا ننكر ما فيه من القحوم (١) على خرق الإجماع ، ولذلك ترقينا من التخطئة المجردة التى نطلقها ونقتصر عليها فى الفروع فى بعض المسائل إلى التضليل والتفسيق والتبديع ، ولكن لا تنتهى إلى التكفير ؛ فلم بين لنا أن خارق الإجماع كافر ، بل الخلاف قائم بين المسلمين فى أن الحجة هل تقوم بمجرد الإجماع؟ وقد ذهب النظام وطائفته إلى إنكار الإجماع ، وأنه لا تقوم حجة أصلا ، فمن التبس عليه هذا الأمر لم نكفره بسببه ، واقتصرنا على تخطئته وتضليله ـ فإن قيل : وهل كفرتموهم لقولهم إن الإمام معصوم ، والعصمة عن الخطأ والزلل وصغير المآثم وكبيرها من خاصية النبوة فكأنهم أثبتوا خاصية النبوة لغير النبي صلىاللهعليهوسلم قلنا : هذا لا يوجب الكفر وإنما الموجب له أن يثبت النبوة لغيره بعده ؛ وقد ثبت أنه خاتم النبيين ، أو يثبت لغيره منصب النسخ لشريعته ، فأما العصمة فليست خاصية النبوة ولا إثباتها كإثبات النبوة ، فلقد قالت طوائف من أصحابنا : العصمة لا تثبت للنبى من الصغائر ، واستدلوا عليه بقوله : تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ، وبجملة من حكايات الأنبياء (٢). فمن يعتقد فى فاسق أنه مطيع ومعصوم عن الفسق لا يزيد على من يعتقد فى مطيع أنه فاسق ومنهمك فى الفساد ، ولو اعتقد إنسان فى عدل أنه فاسق لم يزد على تخطئة من
__________________
(١) القحوم ؛ من : قحم ، من باب : نصر. قحوما : رمى نفسه فى أمر عظيم ، يقال : قحم فى ، فهو قاحم.
(٢) كما روى عن سيدنا إبراهيم عليهالسلام أنه كذب فى دعواه أمام الملك أن سارة أخته وليست زوجته.