وبالجملة فالحدوث ينافي نفي (١) الأولية ، ولا ينافي نفي الآخرية.
لا يقال : قد يمكن تقرير هذا الاستدلال بحيث لا يفتقر إلى أحد الأمرين المذكورين ، كما ذكر في المواقف من أنه لو لم يكن قادرا لزم إما نفي الحادث أو عدم استناده إلى المؤثر ، أو التسلسل ، أو تخلف الأثر عن المؤثر التام لأنه إن لم يوجد حادث أصلا فهو الأمر الأول. وإن وجد فإن لم يستند إلى مؤثر فهو الثاني ، وإن استند فإن لم ينته إلى قديم فهو الثالث ، وإن انتهى فلا بدّ من قديم يوجب حادثا بلا واسطة دفعا للتسلسل وهو الرابع ، لأنا نقول هذا أيضا تقرير الاستدلال المشهور بزيادة مقدمات لا حاجة إليها وهي الشرطيات الثلاث.
الأول : لأن الكلام في قادرية القديم الذي إليه ينتهي الكل ، مع أن التالي في كل من الأولين عين المقدم ، ولذا عدل عنه. وقال : وإن شئت قلت : أي في تقرير هذا الاستدلال ، لو كان الباري موجبا بالذات لزم قدم الحادث ، إذ لو حدث لتوقف على شرط حادث وتسلسل ، ثم إنه لا يتم إلا بما ذكرنا على ما اعترف به حيث قال : واعلم أن هذا الاستدلال يغني على التقديرين لا يتم إلا إن تبين حدوث ما سوى الله تعالى ، وامتناع قيام حوادث متعاقبة لا نهاية لها بذاته ، أو تبين في الحادث اليومي أنه لا يستند إلى حادث مسبوق بآخر لا إلى نهاية محفوظا بحركة دائمة ، وذلك لأنه لو لم يتبين ما ذكر لم تصح الشرطية الرابعة من التقرير الأول ، ويلزم المحال المذكور في التقرير الثاني لجواز أن تنتهي الحوادث إلى قديم يوجب قديما يستند إليه الحوادث بطريق الاختيار دون الإيجاب ، فلا يلزم التخلف ولا التسلسل ، وأن لا يثبت قديم يوجب حادثا بلا واسطة ، بل يكون كل حادث مسبوقا بآخر من غير بداية كما هو رأيهم في الحركات ، ولا يكون هذا من التسلسل المسلم استحالته ، أعني ترتب العلل والمعلولات لا إلى نهاية ، فلا بدّ من بيان استحالة النوع الآخر من التسلسل. أعني كون (٢) كل حادث مسبوق بآخر لا إلى نهاية ليتم به (٣) الاستدلال.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (نفى).
(٢) سقط من (ب) لفظ (كون).
(٣) سقط من (ب) لفظ (به).