وزخر بحره أبلج عذبا فراتا ، لكن لما تقاصرت الهمم كادت أن تغرق الأفهام
في تلك الأمواج ، ولتشعب الأقوال عليهم لم يؤمن عدم اهتدائهم إلى المنهاج ، فدعتني
الهمة القاصرة إلى تعليق مختصر يكون وافيا ، وندبتني الخواطر الفاترة إلى تبيين
مقاصد المختصر تبيينا شافيا من غير تطويل ممل ، ولا اختصار مخل ، ولا انتحال شيء
من الأنظار ، بل أخذته من أقوال النظار ، فإن جاء حسنا فلفضل المتقدمين ، وإن غير
ذلك فلقصوري الواضح المبين ، ومن الله أستمد الهداية وأستعينه في البداية والنهاية
، إنه ولي ذلك والقادر على ما هنالك :
قال المصنف مبتدئا
: (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي بسم الله أبتدئ
تأليف هذا الكتاب ، ومعناه أستعين على ذلك بالتسمية ؛ ليمنها وبركتها ، فالباء
للاستعانة ، ويقدر الفعل متأخرا عنها لإفادة الاختصاص ، والبداية بالبسملة لدليلين
: عقلي ، وسمعي :
أما
العقلي : فلما تقرر في
العقول من وجوب شكر المنعم والاهتمام به ضرورة ، والثناء باللسان هو أحد شعب الشكر
، فلا يظهر الاهتمام إلا بالتقديم.
وأما
السمع : فلما ورد في
الكتاب العزيز نحو : (بِسْمِ اللهِ
مَجْراها) [هود : ٤١](إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] وقال
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أجذم» وقيل : أبتر ، وقيل : خداج ، روته عائشة ، وقد حسنه بعض
الحفاظ ، والمعنى بذلك منزوع البركة.
__________________