ومع الخوف الشديد ، لكن يؤثر الشهوة ويؤمل العفو إن كان من أهل الإرجاء ، ويسوف التوبة إن كان من أهل الوعيد.
وأيضا فلا خلاف في أن كل منافق كافر فكان يلزم أن يكون الفاسق كافرا بل كما نص الله على أن المنافق كافر ، فقد نص الله على أنه من أشد الناس عقابا فقال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥].
[شبهة] : قال : لو لم يكن في اعتقاده خلل ، وكان مؤمنا بالله وبوعده ووعيده لما ارتكب الكبيرة ، كما لو كان بين يديه نار مؤججة ، وقال له من يقدر عليه إذا واقعت الكبيرة أوقعتك في هذه النار ، وكذلك إذا علم في الجحر صرة دراهم وحية تهلك لسعتها فإنه لا يدخل يده للصرة والحال هذه.
والجواب : ما تقدم من أنا نعلم من حال الفاسق أنه لا خلل في اعتقاده حال إقدامه على المعصية وما ذكره من المثال ليس نظيرا للمسألة ؛ لأن من وصف حاله يكون ملجئا إلى ترك المعصية والحال هذه ، وليس هذا حال المكلف فإنه يجوّز العفو والتوبة ، ووزان مسألة الحية أن يكون معه ترياق يعلم أنه ينفع من اللسعة ، أو يجوز أن الحية لا تلسعه ، فإنه والحال هذه يدخل يده للصرة.
(وأما الدليل على أن الفاسق لا يسمى مؤمنا) كما تزعمه المرجئة ، (فهو أن المؤمن) وإن كان في أصل اللغة المصدّق فقد صار منقولا في الشرع إلى (من يستحق الثواب والمدح والتعظيم) ، فالإيمان كان في الأصل التصديق ، ثم صار موضوعا في الشرع للعمل بالأركان والتصديق بالقلب والإقرار باللسان ، وأن اسم المؤمن في الشرع مشتق من الأمان بهذا المعنى ، ونقل الإيمان إلى ما ذكر هو مذهب أئمة الزيدية ومن تابعهم وقول الجلة من المعتزلة.
قال الإمام يحيى : وهو مذهب السلف وهو المختار ، والذي يدل على أنه يستحق عليه المدح الإجماع ، فلا نعلم في ذلك مخالفا وصحة توسطه بين أوصاف المدح ، ولأن الله تعالى ما ذكر المؤمن والإيمان في القرآن إلا مدحه ، وكل ذلك لا يصح في الفاسق ،