مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ)
.
فمشاورته لهم تندرج في تزكيته وتعليمه
لهم ; إذ أنّ المشورة تعني : الفحص عن المعلومات ، وملابسات الأشياء ، ووجوه
الأُمور ، وهي عبارة عن التوصية بجمع المعلومات ، وتحريّ الوصول إلى الحقيقة
والواقع من الجهات العديدة ، نظير : ((أعْلَم الناس مَن جمع علوم الناس إلى علمه))
و : أعْقَل الناس
مَن جمع عقول الناس إلى عقله ..
أي : الاستشارة الخبروية ، لا تحكيم رأي
الأكثرية بصفة الكثرة ، بل المدار : الصواب ، ولو كان عند واحد ذي خبرة عالية.
فهو (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
يربّي المسلمين على سُنّة الاستشارة وتمحيص الرأي في أُمورهم وتدبيرهم ، مضافاً
إلى ما في ذلك من جلب تفاعلهم مع الأحداث ، والقيام بالمسؤولية ، ولتمييز الناصح
من الخاذل المتخاذل في العلن وأمام الناس ، ولتنكشف النوايا والخبايا ، ولتتكوّن
بصيرة لدى القاعدة من عموم الناس.
كما في استشارته (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
أصحابه قبل واقعة بدر ، عندما أفلتت عير قريش ، فقام الأوّل وأظهر الخوف من قتال
قريش ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام الثاني فقال مثل صاحبه
، فأجلسه النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
، ثمّ قام المقداد وأظهر العزم على النصرة لقتال قريش ، فشكره النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ثمّ طلب المشورة أيضاً ليرى مدى همّة
الأنصار ، فقام سعد بن معاذ فقال : كأنّك تريدنا؟! أي : الأنصار ; لأنّهم أكثر
المسلمين حينئذ ، فقال (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
: نعم. فأظهر سعد العزم على النصرة ، فحثّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينها
الناس على قتال قريش؟!
فيظهر من هذه المشورة من النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
لمن كان معه أنّها لجملة من الأغراض التربوية التي تقدّم شرحها ، لا لأجل فحصه عن
ما هو الصواب! كيف وقد أوحى الله تعالى إليه (صلىاللهعليهوآلهوسلم)
أنّ الظفر مقدّر له وللمسلمين في الحرب مع قريش؟!
__________________