وهذا النصّ يظهر
لنا منطق سلطة السقيفة في تنصيب أمراء الجيوش والولاة بأنّ الفجور غير ضارّ ، وهو
مع قوّة بطش الأمير والوالي أصلح من التقي والمتورّع عن المحارم ، وإلّا فكيف يكون
عمّار بن ياسر ضعيفا في ولايته على الكوفة مع أنّه هو الذي عبّأ أهل الكوفة مرّات
وكرّات لحرب دولة الأكاسرة ، ويكون المغيرة بن شعبة أصلح لولاية الكوفة مع فجوره
واشتهاره بالزنا في البصرة؟!
وقد اعترض على عمر
في سياسته هذه ؛ وتعرّض للمساءلة عن سبب استعماله سعيد بن العاص ومعاوية وفلانا
وفلانا من المؤلّفة قلوبهم ومن الطلقاء ، وتركه استعمال المهاجرين والأنصار . واعترض حذيفة على عمر : إنّك تستعين بالرجل الفاجر. فقال
عمر : إنّي لأستعمله لأستعين بقوّته ، ثمّ أكون على قفائه .
وقد دافع البيهقي
عن فعل عمر بأنّ : «ذلك في المنافقين الّذين لم يعرفوا بالتخذيل والإرجاف. والله أعلم»
. رغم أنّ عمر روى عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «من استعمل فاجرا وهو يعلم أنّه فاجر فهو مثله» ، وقال عمر : «نستعين بقوّة المنافق وإثمه عليه» .
والمتتبّع لأمراء
الجيوش والولاة في عهد الثلاثة يرى الكثير منهم من المؤلّفة قلوبهم والطلقاء من
قريش ، أو مسلمة قبيل الفتح ، كخالد بن الوليد وأمثاله ، والسبب الحقيقي وراء ذلك
هو أنّ جماعة السقيفة إنّما أتوا إلى السلطة بفضل قوّة الإرهاب القبلي الذي مارسه
حزب قريش وبنو أمية على المسلمين في المدينة أيام السقيفة ـ كما ترصده الأحداث
آنذاك ـ وتعاقد الصحيفة التي مرّت الإشارة إليها ، فمصدر قوّة
__________________