الرحى في تدبير
أمور المسلمين والفتوح التي تتالت عليهم ، وتالله لو لا رأيه الثاقب في الأمور،
المسدّد بالعصمة ، لانتقض نظام المسلمين ولأكلتهم الدول المحيطة بهم. ونظير هذه
الحادثة حوادث أخرى ، استعرضنا في ما سبق بعضها.
وقفة مع أصحاب كتب التاريخ
إنّ الباحث في
تاريخ المسلمين يلاحظ مدى التعتيم والتضليل لحقائق الأحداث الذي مارسه كثير من
مؤرّخيهم ، مثل ابن جرير الطبري (ت ٣١٠ ه) في تاريخه ، والبلاذري (ت ٢٧٩ ه) في
فتوح البلدان ، وابن الأثير (ت ٦٣٠ ه) في الكامل في التاريخ ، وأمثالهم ، عند ما
يقارن ما أرّخوه بأقلامهم بما كتبه ابن أعثم الكوفي (ت ٣١٤ ه) في الفتوح ، وإن
كانت هناك قصاصات كثيرة متناثرة تسرّبت في ما كتبوه رغم ما مارسوه من حذف وتعتيم
..
ففي وقعة نهاوند ـ
مثلا ـ ترى الطبري يحذف مقدّمة أحداث المعركة بجملتها ، واقتصر على خصوص إجمال
المعركة من دون تفصيل هولها وشدّة العناء الذي لاقاه المسلمون ، حتّى كادوا أن
ينهزموا في كلّ وقعات المعركة حتّى جاء الظفر ، وما عرض على الخليفة عمر من أحوال
وغير ذلك ممّا مرّ ، كما لم يذكر اسم من أشار عليه بالمكث ، كما هي عادته في موارد
عديدة يتابعها الباحث ، ومشورة عليّ عليهالسلام على أبي بكر وعمر ؛ فإنّه لا يأتي بالاسم ولا ينوّه
بالقائل ، بل قد لا يتعرّض لحصول المشورة ويسند الرأي إلى أبي بكر وعمر ، كما أنّه
لم يذكر ما جرى من مقالات بين أبي بكر ورؤساء القبائل المتمرّدة على استخلافه ،
كلّ ذلك لتغطية الحقائق وحقيقة الأمور في الأحداث.
وأمّا البلاذري
فقد ذكر مسلسل الأحداث في ما يخص معركة نهاوند موجزا ، ناسبا ذلك كلّه إلى عمر دون أن يفصح بالمشير على عمر ولا
حال اضطراب عمر ، مع أنّه
__________________