أي : لقد بدء
تولّد انحراف الدين والنظام الإسلامي عن مسيره ، وسينتج ذلك تفشّي الظلم والفساد
في الأمّة وهرج في مسيرها. وهو ما حصل ؛ فإنّ الخليفة الأوّل عيّن يزيد بن أبي
سفيان واليا على الشام ، كما جعل الولاة وأمراء الجيش غالبهم من الحزب القرشي من
مسلمة الفتح والطلقاء ، الّذين لم يفتئوا يكيدوا للإسلام عداء ، وبالتالي فهو أوّل
من وطّأ وأعدّ لمجيء بني أمية إلى رأس السلطة ، والتسلّط على رقاب المسلمين
والتحكّم بمصير الأمّة.
وكذلك فعل الخليفة
الثاني ؛ إذ عيّن معاوية بن أبي سفيان واليا على الشام ، وعثمان ـ من البطن الأموي
ـ خليفة له من بعده ؛ بتوسّط معادلة شورى الستّة الّذين عيّنهم ، والتي كانت واضحة
الرجحان لصالح عثمان.
هذا مضافا إلى ما
قام به كلّ من الأوّل والثاني من السنن الجائرة الحائدة عن سنن الله ورسوله ، فلم
يبقيا من الإسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه ، كما ستأتي الإشارة إلى جملة
منها. وقد طفقت ثروات الحزب القرشي ـ حزب السقيفة ـ في عهد الأوّلين ، فضلا عن
الثالث ، تزيد من غنائم الفتوحات حتّى بلغت أرقاما خيالية ، كما سنوا فيك بقائمة
ببعضها ، وساد التمييز الطبقي والعرقي مجتمع المسلمين ؛ فقتل الخليفة الثاني بيد
أحد الموالي ، بعد أن مات الأوّل في ظروف مريبة ، بسبب الاختلاف الذي جرى بين
عصابة أصحاب السقيفة ، حتّى قام أهل بلاد الفتوح ـ وهم أهل مصر والعراق ـ إضافة
إلى أهل المدينة بقتل الثالث ، بسبب وصول فساد وضع المسلمين الداخلي إلى درجة
المناداة بتقويم أو خلع الخليفة.
روى الطبري من
طريق عبد الرحمن بن يسار أنّه قال : لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة
من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى من بالآفاق ، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور : «إنّكم
إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزوجل تطلبون دين محمّد ٩ ، فإنّ دين