فتركوكم ، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر ، فإذا أفتوكم قلتم : هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه؟!
فذوقوا وبال أمركم ، وما فرطتم في ما قدّمت أيديكم ، وما الله بظلّام للعبيد ، رويدا عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم. فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لقد علمتم أنّي صاحبكم والذي به أمرتم ، وأنّي عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ، ووصيّ نبيّكم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخيرة ربّكم ، ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم ، وسيسألكم الله عزوجل عن أئمّتكم ، فمعهم تحشرون ، وإلى الله عزوجل غدا تصيرون ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ... (١)
ويشير عليهالسلام إلى ما يشير إليه قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) فقد تركوا وصية القرآن والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في عليّ عليهالسلام ـ وعترته عليهمالسلام ـ ، من أنّه وليّ الأمور من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّه مفزع الأمّة وملجأها ، وقد أشارت فاطمة الزهراء عليهاالسلام إلى ذلك أيضا كما تقدّم ، وأنّ سبب الاختلاف والفرق الحادثة في المسلمين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو تركهم التمسّك بالثقلين اللذين هما ضمان عصمتهم من الضلال.
وقال عليهالسلام في خطبة أخرى :
فأين تذهبون؟! وأنّى تؤفكون؟! والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم؟! بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم ، وهم أزمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق؟! فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش. ألا وإنّ من أعجب العجائب أنّ معاوية بن أبي
__________________
(١). نهج البلاغة : الخطبة ٢٠ ، وقد ذكر للخطبة ولبعض ما ورد فيها مصادر أخرى عديدة من كتب الفريقين.