الرسول ، والبرهان القاطع على صدقه ، وذلك يجب أن يكون من الأفعال الخارقة للعادات ، المقارنة لتحدي الأنبياء بالرسالات ، فإنه إن كان قديما أزليا لم يكن ذلك مختصا ببعض المخلوقين دون البعض ؛ إذ القديم لا اختصاص له. ولو جاز أن يجعل بعض الصفات القديمة معجزا لجاز ذلك على باقي الصفات كالعلم والقدرة والإرادة ؛ إذ الفرق تحكم لا حاصل له.
ومما يدل على أنه فعل الله تعالى ما ورد به التنزيل من قوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [الأنبياء : ٢] وقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٧] وقوله : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] إلى غير ذلك من الآيات.
وأيضا فإن الأمة من السلف مجمعة على أن القرآن كلام الله ، وهو منتظم من الحروف والأصوات ، ومؤلف ومجموع من سور وآيات. ومن ذلك سمي قرآنا ، أخذا من قول العرب : «قرأت الناقة لبنها في ضرعها» أي جمعته ، ومنه قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧] ولو لا ذلك لما تصور أن يسمعه موسى ، وهو لا محالة قد سمعه. وهو مع ذلك مقروء بألسنتنا ، محفوظ في صدورنا ، مسطور في مصاحفنا ، ملموس بأيدينا ، مسموع بآذاننا ، منظور بأعيننا. ولذلك وجب احترام المصحف وتبجيله ، حتى لا يجوز للمحدث لمسه ، ولا القربان إليه. ولا يجوز للجنب تلاوته. وقد وردت الظواهر من الكتاب والسنة تدل على كونه مسموعا وملموسا وأنه بحرف وصوت ، فمن ذلك قوله سبحانه : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] وقوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] وقول النبي صلىاللهعليهوسلم «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فتتناوله أيديهم» وقوله : «إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته كجر السلسلة على الصفا» ، وقوله عليهالسلام «من قرأ القرآن وأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات» إلى غير ذلك من السمعيات.