من أهل الضلال.
ونحن الآن نبتدئ بذكر طرق عول عليها العامة من المتكلمين في إثبات الكلام وننبه على مواضع الزلل فيها ، ثم نوضح بعد ذلك الأجود من الجانبين ، ونكشف عن مستند الطائفتين إن شاء الله.
فمن جملة ما اعتمد عليه أن قالوا : العقل الصريح يقضي بتجويز تردد الخلق بين الأمر والنهي ووقوعهم تحت التكليف ، فما وقع فيه التردد إما قديم أو حادث ، فإن كان قديما فهو المطلوب ، وإن كان حادثا فكل صفة حادثة لا بد أن تكون مستندة إلى صفة قديمة للرب تعالى قطعا للتسلسل ، وإذا كان ذلك وجب أن يستند تكليفهم إلى أمر ونهي هو صفة قديمة للرب ـ تعالى ـ.
وهذا ما لا يصح التعويل عليه ؛ وذلك أنه إما أن يدّعي أن الخلق جائز تكليفهم وترددهم بين الأمر والنهي من الخالق أو من المخلوق ، فإن كان الأول فهو عين المصادرة على المطلوب. وإن كان الثاني فغير مفيد ولا محد للمقصود ، ولا يلزم من كون ما وقع به التكليف من الأوامر والنواهي جائزا أن يستند إلى صفة قديمة ، أن تكون أمرا ونهيا ، حتى لا يكون أمر حادث إلا عن أمر ، ولا نهي إلا عن نهي. فإن افتقار الجائز في الوجود لا يدل إلا على ما يجب الانتهاء إليه والوقوف عليه ، ولا دلالة له على كونه أمرا أو نهيا ، ومن رام إثبات ذلك فقد كلف نفسه شططا.
ثم لو وجب ذلك لكان الباري تعالى متصفا بمثل كل ما وجد في عالم الكون والفساد من الكائنات وذلك محال.
ولهذا انتهج بعض الأصحاب في الإثبات طريقا آخر فقال : قد ثبت كون الباري ـ تعالى ـ عالما ومن علم شيئا يستحيل أن لا يخبر عنه ، بل العلم والخبر متلازمان ، فلا علم إلا بخبر ولا خبر إلا بعلم. وهو من النمط الأول في الفساد ، فإنه إن ادعى ذلك بطريق العموم والشمول في حق الخالق والمخلوق فهو نفسه مصادرة على المطلوب. ولا يخفى ما فيه من الركاكة والفهاهة ،