عدمه نقصا ما ، والذي يوضح هذا هو أن ما ظهر من حكمة بعثة الرسل والأنبياء وتبليغهم ليس إلا إصلاح الخلق وتقويم نظامهم ، وإن كنا نعلم أن عدم هذه الحكمة ووجودها بالنسبة إلى حال النبي سيان ، فيما يرجع إلى نفس كماله ونقصانه ، وهذا مما لا ينكره عاقل إلا عن عناد. ثم إن هذا مما لا يصح إيراده ممن يعترف بكون الباري تعالى مريدا ، من المعتزلة وغيرهم. وإن ورد من الفلاسفة الإلهيين ومن تابعهم فهو لازم عليهم أيضا ، فإنهم قضوا [بأن] الترجيح في الوجود وغيره إنما يستند إلى ذات واجب الوجود ، وإن ما وجب به لا يتأخر وجوده عن وجوده ، بل هو ملازم له في الوجود ، كملازمة حركة الخاتم لحركة اليد. كما سيأتي تفصيل مذهبهم.
وعند ذلك فنقول : ملازمة ما وجد به ووجب عنه إما أن تكون وعدمها سيان أو أن الملازمة أولى : فإن كانت الملازمة وعدمها سيان ، فالقول بوجوب اللزوم في الوجود متناقض. وإن كانت الملازمة هي الأولى ، فلا محالة أن ما هو الأولى في لزومه له أنه يستفيد بملازمته كمالا وبعدمه نقصانا. فإذا ما هو اعتذارهم في الذات هو اعتذارنا في الإرادة ، ولا محيص عنه.
ومما يلزمهم أيضا في ذلك أن تكون الأنفس الفلكية المخصصة للحركات الدورية كما عرف من مذهبهم ، متوقفة في حصول كمالها على معلولها ، لكونها مخصصة له بالإرادة. وفي ذلك توقف كمال الأشرف على المشروف ولا خلاص لهم منه.
وأما ما ذكروه من الوجه الثاني :
في قولهم : «لو كانت صفة نفسية قديمة لما تعلقت ببعض المتعلقات دون البعض كما في العلم» ، فمع أنهم قد نقضوا ما أبرموه ، وحلوا ما عقدوه بالقدرة ، فإنهم قالوا : إنها صفة قديمة نفسية ولا تعلق لها بأفعال العباد ، فهو صحيح.
وسنبين فيما بعد ـ إن شاء الله ـ أنه لا خالق إلا الله. ولا مبدع إلا هو.