القول بوجوبه عقلا
، كما بيناه ، اللهم إلا أن يعني ، بكونه واجبا عقليا ، أن في فعله فائدة ، وفي
تركه مضرة ، لذلك ما لا سبيل إلى إنكاره أصلا.
فإن قيل :
الاحتجاج بإجماع الأمة فرع تصور الإجماع ، وكما زعمتم أن العادة تحيل اجتماع الأمة
على الخطأ ، فكذلك أيضا بالنظر إلى العلماء تحيل اجتماع الكل على حكم واحد مع ما
هم عليه من اختلاف الطباع وتفاوت الأزمان ، والسهولة والصعوبة في الانقياد ، كما
يستحيل ـ من حيث العادة ـ اتفاقهم كافة على القيام أو القعود في لحظة واحدة ، في
يوم واحد.
ثم وإن تصور ذلك ،
فالاطلاع عليه لكل واحد من أهل العصر ـ مع انقسام المجتهدين إلى معروف وإلى غير
معروف ، وتنائي البلدان ، وتباعد العمران ـ أيضا متعذر.
ثم وإن قدر أن ذلك
كله متصور ، لكن ما من واحد نفرضه منهم إلها ويجوز ـ عند تقديره منفردا ـ أن يكون
في ذلك الحكم مخطئا ، وذلك الجواز لا ينتقض وإن انضاف إليه ، في ذلك الحكم ، من
أعداد المجتهدين ، ما لا يحصى. والذي يدل على جواز ذلك ورود النهي بصفة العموم وهو
قوله : (وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا
تَعْلَمُونَ) ، ولو لم يكن ذلك منهم جائزا وإلا لما نهوا عنه.
ولو كان ذلك حجة
قطعية في الشرعيات لما ذكر ، للزم أن يكون ذلك حجة في العقليات ، وهو خلاف
الإجماع.
وما ذكرتموه من
الأحاديث فجملتها آحاد لا معتبر بها في القطعيات ، والأمور اليقينيات وإن استدل
على صحتها بإجماع الكافة عليها يلزم الدور وامتنع الاستدلال. ثم وإن كانت يقينية
فمدلول اسم الأمة : كل من آمن به من حين البعثة إلى يوم القيامة ، وذلك غير متصور
فيما نحن فيه ، ومع حمله على أهل الحل والعقد من أهل كل عصر فيحتمل أنه أراد
بالضلال أو الخطأ