الحالات ، فهي مما لا تمييز فيها عن الكرامات والسحر والطلسمات ، وغير ذلك من العلوم كالسحر والتنجيم ؛ فإنها من الأفعال العجيبة والأمور المعجزة الغريبة ، التي لا وقوع لها في جميع الأوقات ، ولا سبيل إليها في سائر الحالات ، بل هي على نمط المعجزات والأمور الخارقة للعادات ، ومع جواز أن يكون ما أتى به من هذا القبيل فليس على القول بصدقه تعويل ، ثم وإن تميز ما أتى به عن هذه الأحوال ، وتجرد عن هذه الأفعال ، فلا محالة أن من أصلكم جواز انقلاب العوائد واطراد ما لم يعهد ، وعند اطرادها فلا يخفى أنها تخرج عن أن تكون معجزة ؛ لكونها لا اختصاص لها به ، وإذا كان كذلك فما الذي يؤمننا من اطراد معجزته وعموم وقوعها بعد تحديه بنبوته ، ثم ولو قدر عدم اطرادها فذلك أيضا مما لا يدل على صدقه ، بل لعله كاذب في دعوته ، والباري تعالى مريد لضلالنا برسالته ، وأن ما يدعو إليه من الخير هو عين الشر ، وما ينهى عنه من الشر هو عين الخير ؛ فإنه لا إحالة فيه على أصلكم حيث أحلتم كون الحسن والقبح ذاتيا ، ثم وإن استحال ذلك في حق الله تعالى فلا محالة أن العلم برسالة الرسول ، والقول بتصديقه ، يتوقف على معرفة المرسل وصفاته ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ؛ يتوسط الحادثات والكائنات والممكنات ، وذلك كله ليس هو مما يقع بديهة ؛ فإنه لو خلى الإنسان ودواعي نفسه مبدأ نشوئه ، من غير التفات إلى أمر آخر ، لم يحصل له العلم بشيء من ذلك أصلا ، فعند إرسال الرسول إما أن يجوز للمرسل إليه النظر ، والابتهال بالفكر ، والاعتبار بالعبر أو لا يجوز له ذلك ، فإن قيل بالجواز فلا يخفى أن زمان النظر غير مقدر بقدر ، بل هو مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وتقلب أحوالهم ، والاشتداد والضعف في أفهامهم ، وذلك مما يفضي إلى تعطيل النبي عن التبليغ لرسالاته ، وإفحامه في دعوته ، ولا فائدة إذ ذاك في بعثته ، وإن لم يمهل في النظر فذلك قبيح لا محالة ؛ من جهة أنه كلفه التصديق بما لا يطيق ، أوجب عليه التقليد والانقياد ، من غير دليل إلى الاعتقاد ، وذلك قبيح لا تستحسنه العقول.