النفوس الإنسانية كلها من نوع واحد فوجب أن يستقل كل منها بدرك ما أدركته الأخرى ، ولا تتوقف على من يحكم عليها فيما تهتدي إليه وما لا تهتدي إليه ؛ فإن ذلك مما يقبح من الحكيم عقلا.
ومما يدل على العبث في بعثته تعذر الوقوف على صدق مقالته ؛ فإن وجوب التصديق له بنفس دعواه ، مع أن الخبر ما يصح دخول الصدق والكذب فيه ، مستحيل ، وإن كان بأمر خارج ، إما بأن تقع المشافهة من الله تعالى بتصديقه ، أو باقتران أمر ما بقوله يدل على صدقه ، فهو أيضا مستحيل ؛ إذ المشافهة من الله تعالى بالخطاب متعذرة ، ولو لم تكن متعذرة لاستغنى عن الرسول ، وما يقترن بقوله إما أن يكون مقدورا له أو لله تعالى : فإن كان مقدورا له فهو أيضا مقدورا لنا ، فلا حجة له في صدقه ، وإن كان مقدورا لله تعالى ، فإما أن يكون معتادا أو غير معتاد فإن كان معتادا فلا حجة فيه أيضا ، وإن كان غير معتاد بأن يكون خارقا للعادات فليس في ذلك ما يدل على صدقه في دعوته ؛ إذ هو فعل الله تعالى وهو مشروط بمشيئته ، وتخصصه منوط بإرادته ، وربما لا يتصور في جميع الحالات ، ولا يساعد في سائر الأوقات ، وكم من نبي سأل إظهار المعجزات في بعض الأوقات فلم يتفق له ما سأله ، فإذا كان كذلك ، فلعل اقترانها بدعوته ، في بعض الأوقات ، كان من قبيل الاتفاقات ، لا بقصد التصديق له فيما يقوله ، والتحقيق له ، ثم إن كان ظهور هذه الآيات واقترانها بقوله في بعض الأوقات دليلا على صدقه فعدم اقترانها به في بعض الأوقات دليل على كذبه ، وليس أحد الأمرين بأولى من الآخر ، والذي يدل على ذلك أنا ألفينا كل مدع قد أباح ما تحظره العقول ؛ مثل ذبح الحيوان وإيلامه وتسخيره ، ومثل السعي بين الصفا والمروة ، والطواف بالبيت ، وتقبيل الحجر ، والعطش في أيام الصيام ، والمنع من الملاذ التي بها صلاح الأبدان ، وذلك كله قبيح ، والقبيح لا يأمر به الحكيم ، فهم فيما ادعوه كاذبون ، وفيما انتحوه متخرصون ، ثم وإن قارنت لدعواه في جميع الأوقات ، ولم توجد في غيرها من