الإمكان معدوم وبين قولنا إنه لا إمكان. فبقي أن يكون موجودا ، وإذا كان موجودا فهو مما لا سبيل إلى قيامه بنفسه فتعين افتقاره إلى مادة يقوم بها ويضاف إليها ، وهكذا في كل ما يفرض من الحوادث إلى ما لا يتناهى ، لكن منهم من أثبت لها وجودا مجردا عن الصورة ، ونظرا إلى أن ما صورة تفرض إلا ويمكن القول بفسادها وكون غيرها ، وما جاز عروه عن كل واحد واحد من آحاد الصور جاز عروه عن الجميع ، ومنهم من لم يثبت لها وجودا دون الصورة ، بناء على أنه لو كان لها وجود دون الصورة لم يخل ، إما أن تكون متحدة أو متكثرة : لا جائز أن تكون متحدة وإلا كان ذلك لها لذاتها ، ولما تصور عليها نقيض الاتحاد. ولا جائز أن تكون متكثرة ، إذ التكثر لها مع قطع النظر عن الصور وعما يوجب التغاير والتمييز ممتنع.
قالوا : وليس يلزم من جواز عروها في حالة الوجود عن كل واحدة من آحاد الصور جواز عروها عن جميع الصور ، لجواز أن يكون الشرط في تحقق وجودها ليس إلا واحدة من الصور على البدل ، كيف وأن القول بجواز عروها عن كل ما يقدر من الصور في حالة الوجود غير مسلم ، فإن ما وقع به الاشتراك من الصورة الجسمية وهي الأبعاد التي تشترك بها الأجسام فيما بينها ، من حيث هي أجسام ، لا يجوز تبدلها أصلا ، وإن جاز القول بتبدل غيرها من الصور ، واتساع القول في ذلك لائق بالقانون الحكمي ، وحقيق بالمنهج الفلسفي.
وهذه الشبهة في إثبات المادة هي ما أوجبت للجمهور من المعتزلة اعتقاد كون المعدوم شيئا وذاتا معينة من غير أن يصفوه بالوجود ، لكن منهم من أثبت له خصائص الوجود بأسرها حتى التحيز للجوهر والقيام بالمحل إن كان عرضا ، ومنهم من أثبت له خصائص الوجود غير هذين ، ومنهم من لم يطلق عليه اسم الشيئية إلا لفظا وعبارة فقط ، وسنستقصي الكلام في الرد عليهم إذا انتهينا من الانفصال عن شبه أهل الضلال إن شاء الله تعالى.