فإن كان ممكنا فليس خارجا على ما وقع به الفرض ، فبقى أن يكون واجبا بذاته لا محالة.
فهو لا محالة واجب بذاته ، وإلا لا فتقر إلى غيره ، وذلك الغير إن كان خارجا عن الجملة المفروضة ففيه إبطال الفرض ، وإن كان داخلا فيها ففيه توقف كل واحد على صاحبه وتقدمه بالذات ، وكل واحد من القسمين متعذر ، فقد تنخل من الجملة أنه لا بدّ من القول بوجوب وجود موجود ، وجوده لذاته لا لغيره.
فإنه قيل ما ذكرتموه فرع إفضاء النظر إلى العلم وجعله مدركا ، وبم الرد على من أنكر ذلك ولم يسوغ غير الحواس الظاهرة مدركا؟ كيف وهو متعذر من جهة المطلوب ، ومن جهة المبدأ ، أما من جهة المطلوب فهو أنه إما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما فلا حاجة إلى طلبه ، وإن كان مجهولا فتمتنع معرفته عند الظفر به.
وأما من جهة المبدأ فهو أن كل مطلوب فلا بد له عند التعريف من مبادئ معلومة سابقة مناسبة ، وتلك المبادئ إما أن تكون بديهية أو مستندة إلى ما هو في نفسه بديهي ، قطعا للتسلسل الممتنع ، والبديهي لا معنى له إلا ما يصدق العقل به من غير توقف على أمر خارج عنه ، وهو ما لا حاصل له ، فإنه إما أن يكون حاصلا لنا في مبدأ النشوء أو بعده : لا جائز أن يقال بالأول ، فإنا كنا لا نشعر بها في مبدأ نشوئنا ، لو كانت حالة لما وقع عنها ، إذ هو متناقض. وإن قيل بالثاني : فإما أن يقال حصلت بالدليل أو بغير دليل ، فإن كانت بالدليل فليست بديهية ، وإن كانت من غير دليل فاختصاص حصولها بزمان دون زمان هو مما لا حاصل له.
وأما قولكم إن ما وجد بعد العدم لا بد وأن يكون وجوده لغيره وإلا لما كان معدوما قبل. فلو كان وجوده لغيره لم يخل : إما أن يكون ذلك الغير دائما علة ، أو حدث كونه علة ، فإن كان دائما علة وجب ألا يتأخر وجود