وأما تقبيح صدوره من الباري ـ تعالى ـ فمبني على فاسد أصلهم في التحسين والتقبيح ، والرد عليهم في ذلك يستدعي تقرير المذهب من الجانبين ، وتمهيد القاعدة من كلا الطرفين فنقول :
معتقد المعتزلة : أن الحسن والقبح للحسن والقبيح صفات ذاتيات ، ووافقهم على ذلك الفلاسفة ومنكرو النبوات ، ثم اختلف هؤلاء في مدارك الإدراك لذلك ، فقالت المعتزلة والفلاسفة : المدرك قد يكون عقليا وقد يكون سمعيا ، فما يدرك بالعقل منه بديهي كحسن العلم والإيمان وقبح الجهل والكفران ، ومنه نظري كحسن الصدق المضر ، وقبح الكذب النافع. وما يدرك بالسمع فكحسن الطاعات وقبح ارتكاب المنهيات (١).
__________________
(١) مذهب أهل الحق : أن العقل لا يدل على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أن أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا ، بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسية ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذم فاعله ، وإذا ورد الشرع بحسن وقبح لم يقتض قوله صفة للفعل وليس الفعل على صفة يخبر الشرع عنه بحسن وقبح ولا إذا حكم به ألبسه صفة فيوصف به حقيقة وكما أن العلم لا يكسب المعلوم صفة ولا يكتسب عنه صفة كذلك القول الشرعي والأمر الحكمي لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة ، وليس لمتعلق القول من القول صفة كما ليس لمتعلق العلم من العلم صفة. وخالفنا في ذلك الثنوية والتناسخية والبراهمة والخوارج والكرامية والمعتزلة فصاروا إلى أن العقل يستدل به حسن الأفعال وقبحها على معنى أنه يجب على الله الثواب والثناء على الفعل الحسن ويجب عليه الملام والعقاب على الفعل القبيح والأفعال على صفة نفسية من الحسن والقبيح ، وإذا ورد الشرع بها كان مخبرا عنها لا مثبتا لها ، ثم من الحسن والقبح ما يدرك عندهم ضرورة كالصدق المفيد والكذب الذي لا يفيد فائدة ، ومنها ما يدرك نظرا بأن يعتبر الحسن والقبح في الضروريات ، ثم يرد إليها ما يشاركها في مقتضياتها ثم يرتبون على ما ذكرناه قولهم في الصلاح والأصلح واللطف والثواب والعقاب. وقد فرق أبو الحسن الأشعري بين حصول معرفة الله