واجبة لكان وجودها سرمديا ، ولو كان سرمديا لوجب القول بأن لا نهاية لحركاتها إن كانت متحركة في القدم ، ولمقادير حركاتها إن لم تكن متحركة ، وذلك ممتنع لما أسلفناه في تناهي العلل والمعلولات.
ثم إن الواجب لذاته هو ما لو فرض معدوما لزم المحال عنه لذاته لا لغيره ، ولا يخفى أن القائل لو فرض بعقله عدم شيء من الكواكب والأفلاك لم يلزم في عقله عن ذلك لذاته محال ، كما لا يلزم من فرض وجود فلك آخر وكوكب آخر ، وما هو على هذا النحو كيف يكون الوجوب له لذاته؟ بل إن فرض واجبا فليس ذلك له إلا لغيره ، وكل ما وجوبه لغيره فهو بذاته ممكن ، كما سلف. كيف وأن ذلك على أصلهم غير مستقيم ، لاعتقادهم أن تأليف الأجرام ليس إلا من المواد والصور ، وقد بان أن كل واحد من المادة والصورة ليس وجوده إلا بأمر خارج عنها فهما لا محالة ممكنان. وما مفرداته التي منها تأليفه ممكنة كيف يكون هو لنفسه واجبا؟
ثم لو كانت واجبة لوجب أن ما شاركها في معنى الجوهرية أن يكون واجبا ؛ إذ يستحيل أن يكون وجوب الوجود لما به تخصص جواهر الأفلاك ومغايرتها لغيرها من الجواهر ؛ فإن ذلك الإلزام لا قوام له بنفسه دون المتخصص به وهو دور ممتنع. وعند ذلك فيلزم على أصله امتناع القول بحدث الجواهر الصورية الثابتة للأجرام العنصرية ، وكذا في الجواهر الإنسانية التي للأبدان الإنسانية على رأي من اعترف منهم بحدثها وبكونها جورها. وهو لا محالة تناقض. وبما حققناه هاهنا يتبين إبطال كون البعض منها واجبا دون البعض ، فبقي أن تكون بأسرها ممكنة.
وإذ ذاك فلا بد لها في وجودها من مرجح خارج عنها وبطل القول بأنه لا مبدأ لها. وأما من اعترف منهم بأن لها مبدئا خارجا عنها لكنه أضاف الخلق إليها ، ووقف الإبداع والإحداث عليها فليس له في دعواه مستند غير الاستقراء ، بأنا وجدنا التأثيرات المختلفة والامتزاجات المتقاربة وجميع ما في