فصل ومن ذلك وهو (الوجه السادس)
قوله في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة «ان هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت؟ وإلى أين تريدين؟ فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه إسماعيل ؛ لأن الله قد سمع ذلك وخضوعك ، وولدك يكون وحش الناس ، يده فوق يد الجميع ، ويد الكل به ، ويكون مسكنه على تخوم جميع اخوته» قال المستخرجون لهذه البشارة : معلوم أن يد بني اسماعيل قبل مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، لم تكن فوق أيدي بني إسحاق ، بل كان في أيدي بني إسحاق النبوة والكتاب ، وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني اسماعيل فوقهم يد ، ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى من أعز أهل الأرض ولم يكن لأحد عليهم يد ، ولذلك كانوا مع يوشع إلى زمن داود وملك سليمان الملك الذي لم يؤت أحدا مثله لم يكن يد بني اسماعيل عليهم ، ثم بعث الله المسيح فكفروا به وكذبوه فدمر عليهم تكذيبهم إياه وزال ملكهم ولم يقم لهم بعده قائمة ، وقطعهم الله في الأرض أمما ، وكانوا تحت حكم الروم والفرس وقهرهم ، ولم يكن يد ولد اسماعيل عليهم في هذا الحال ، ولا كانت فوق يد الجميع إلى أن بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، برسالته وأكرمه الله بنبوته فصارت بمبعثه يد بني اسماعيل فوق الجميع ، فلم يبق في الأرض سلطان اعز من سلطانهم بحيث قهروا سلطان فارس والروم والترك والديلم ، وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والصابئة وعباد الأصنام ، فظهر بذلك تأويل قوله في التوراة «ويكون يده فوق يد الجميع ، ويد الكل» وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر. قالت اليهود : نحن لا ننكر هذا ، ولكن إن هذه بشارة بملكه وظهوره وقهره لا برسالته ونبوته. قالت المسلمون : الملك ملكان ملك ليس معه نبوة بل ملك جبار متسلط ، وملك نفسه نبوة ، والبشارة لم تقع بالملك الأول ، ولا سيما أن ادعى صاحبه النبوة والرسالة وهو كاذب مفتر على الله فهو من شر الخلق وأفجرهم وأكفرهم ، فهذا لا تقع البشارة بملكه وإنما يقع التحذير من فتنته كما وقع التحذير من فتنة الدجال ، بل هذا شر من سنجاريب وبخت نصر والملوك