ثلاثا في غار تحت الأرض ، ثم خرجوا بعد ثلاث على غير الطريق إلى أن قدموا المدينة ، والشوكة والعدد والعدة فيها لليهود والمشركين ، فأسلم عبد الله بن سلام حين مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، المدينة لما رأى أعلام النبوة التي كان يعرفها وشاهدها فيه ، وترك الأغراض التي منعت المغضوب عليهم من الإسلام من الرئاسة والمال والجاه بينهم ، وقد شهدوا له كلهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رئيسهم وخيرهم وسيدهم ، فعلم أنهم إن علموا بإسلامه اخرجوه من تلك الرئاسة والسيادة فأحب أن يعلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فقال أدخلني بعض بيوتك وسلهم عني ففعل ، وسألهم عنه فاخبروه أنه سيدهم ورئيسهم وعالمهم ، فخرج عليهم وذكرهم وأوقفهم على أنهم يعلمون أنه رسول الله ، وقابلهم بذلك ، فسبوه وقدحوا فيه وانكروا رئاسته وسيادته وعلمه فلو كان عبد الله بن سلام ممن يؤثر عرض الدنيا والرئاسة لفعل كما فعله إخوان القردة وأمة الغضب والقوم البهت ، وهكذا شأن من أسلم من اليهود حينئذ وأما المتخلفون فكثير منهم صرح بغرضه لخاصته وعامته ، وقال : إن هؤلاء القوم قد عظمونا ورأسونا وملونا فلو اتبعناه لنزعوا ذلك كله منا ، وهذا قد رأيناه نحن في زماننا وشاهدناه عيانا ، ولقد ناظرنا بعض علماء النصارى معظم يوم فلما تبين له الحق بهت ، فقلت له وأنا وهو خاليين : ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟ فقال لي : إذا قدمت على هؤلاء الحمير ـ هكذا لفظه ـ فرشوا لنا الشقاق تحت حوافر دابتي وحكموني في أموالهم ونسائهم ولم يعصوني فيما آمرهم به ، وأنا لا اعرف صنعة ولا احفظ قرآنا ولا نحوا ولا فقها ، فلو أسلمت لدرت في الأسواق اتكفف الناس ، فمن الذي يطيب نفسا بهذا؟! فقلت هذا لا يكون ، وكيف تظن بالله أنك إذا آثرت رضاه على هواك يخزيك ويذلك ويحوجك؟! ولو فرضنا أن ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار ومن سخط الله وغضبه فيه اتم العوض عما فاتك فقال حتى يأذن الله ، فقلت القدر لا يحتاج به ، ولو كان القدر حجة لكان حجة لليهود على تكذيب المسيح وحجة للمشركين على تكذيب الرسل ، ولا سيما أنتم تكذبون بالقدر فكيف تحتج به؟ فقال دعنا الآن من هذا وأمسك.