كانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ففرح بها وهي مغفرة الذنب السابق واللاحق ، الفتح للبلاد ، الهداية إلى أقوم طريق يفضي إلى سعادة الدارين ، والنصر المؤزر العزيز ، فلذا قال أنزلت علّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا. وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي (١) قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي هو الله المنعم عليك بما ذكر لك الذي أنزل السكينة أي الطمأنينة على قلوب المؤمنين من أصحابك وكان عددهم ألفا وأربعمائة صاحب أنزل السكنية عليهم بعد اضطراب شديد أصاب نفوسهم دل عليه قول عمر رضي الله عنه للرسول صلىاللهعليهوسلم ألست نبيّ الله حقا؟ قال : بلى ، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى ، قلت فلم نعطى الدنيّة في ديننا إذا؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبيء الله حقا؟ قال بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى ، قلت : فلم نعطى الدنيّة في ديننا؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه أي سر على نهجه ولا تخالفه. فو الله إنه لعلى الحق ، قلت أليس كان يحدثنا انه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال بلى. قال فهل أخبرك انه العام؟ قلت : لا قال فإنك تأتيه وتطوف به. وقوله (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي بشرائع الإسلام كلما نزل حكم آمنوا به وعملوا به ومن ذلك الجهاد وبذلك يكون إيمانهم في ازدياد. وقوله تعالى (وَلِلَّهِ جُنُودُ (٢) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ملائكة السماء وملائكة الأرض وكل ذي شوكة وقوة من الكائنات هو لله كغيره ويسخره كما شاء ومتى شاء فقد يسلط جيشا كافرا على جيش كافر نصرة لجيش مؤمن والمراد من هذا انه تعالى قادر على نصرة نبيّه ودينه بغيركم أيها المؤمنون (وَكانَ اللهُ) وما زال أزلا وأبدا (عَلِيماً) بخلقه (حَكِيماً) في تدبير أمور خلقه. وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ) أي الإدخال للجنة وتكفير السيئات (فَوْزاً عَظِيماً) أي فتح على رسوله والمؤمنين ليشكروا بالطاعة والجهاد والصبر أي تم كل ذلك ليدخل المؤمنين والمؤمنات الآية .. وقوله (وَيُعَذِّبَ (٤) الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ
__________________
(١) (السَّكِينَةَ) السكون والطمأنينة ، قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي بمعنى الطمأنينة إلا في البقرة. يريد قوله تعالى : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
(٢) هذه الجملة تذييلية مذيل بها الكلام السابق ، والجنود : جمع جند ، والجند : اسم للجماعة المقاتلين لا واحد له من لفظه وجمع باعتبار الجماعات التي يتكون منها وهي المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة.
(٣) اللّام : لام التعليل متعلقة بفعل. (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع ما يتوهم أن هذا الوعد خاص بالمؤمنين دون المؤمنات في حين أن موقف أم المؤمنين أم سلمة كان عظيما إذ استشارها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أبى أصحابه أن يتحللوا فأشارت عليه بما جعلهم يتحللون.
(٤) هذا معطوف على قوله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) وهذا التعذيب المذكور في الآية تعذيب خاص زائدا على عذاب الكفر والنفاق وفي قوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) إشارة إلى ذلك.