سبع سنين من القحط والجدب فأمره ربه أن ينتظر ذلك فقال له فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب آليم ، واستجاب تعالى لرسوله وأصاب قريشا بقحط وجدب ماتت فيه مواشيهم وأصابهم جوع أكلوا فيه العهن (١) وشربوا فيه الدم ، وكان الرجل يرفع رأسه إلى السماء فلا يرى إلا دخانا (٢) يغشى بصره من شدة الجوع ، حتى ضرعوا إلى الله وبعثوا الى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنهم هذا العذاب وهو معنى قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي برسولك وبما جاء به من الهدى والدين الحق.
وقوله تعالى : (أَنَّى لَهُمُ) (٣) (الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) أي ومن أين يأتيهم التذكر فينيبوا إلى ربهم ويسلموا له ، والحال أنه قد جاء رسول مبين للحق مظهر له فعرفوه أنه رسول حق وصدق (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أى أعرضوا عنه وعما جاء به (وَقالُوا مُعَلَّمٌ) أي (٤) هو رجل يعلمه غيره الذى يقوله ولم يكن رسولا وقالوا مجنون فلذا تذكرهم وتوبتهم مستبعدة جدا. وقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) وفعلا كشف الله عنهم عذاب المخمصة ونزل الغيث بديارهم وسعدت بلادهم بعد شقاء دام سبع سنوات ، وعادوا إلى الشرك وحرب الإسلام والمسلمين.
وقوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (٥) أى وارتقب يا رسولنا (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ، وكان ذلك ببدر حيث انتقم الله منهم فقتل رجالهم بل صناديدهم وأسر من أسر منهم ، وكانت بطشة لم تعرفها قريش قط.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ صدق وعد الله لرسوله واستجابة دعائه صلىاللهعليهوسلم.
٢ ـ الإيمان عند معاينة العذاب لا يجدي ولا ينفع.
__________________
(١) العهن الصوف يصبغ بالدم ويشوى ويؤكل لشدة الجوع الذي أصابهم.
(٢) لا منافاة بين هذا الدخان الثابت بالقرآن والسنة ، وبين الدخان الذي هو من أشراط الساعة والثابت بالسنة الصحيحة في حديث مسلم وهو أنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر ـ الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
(٣) (أَنَّى) اسم استفهام الأصل أنه يستفهم به عن المكان ويتوسع فيه فيستفهم به عن الحال كما هي هنا والاستفهام هنا إنكاري أي كيف يتذكرون وهم في شك يلعبون وجملة وقد جاءهم رسول حالية فهي في محل نصب.
(٤) أي لم يكتفوا بالإعراض بل زادوا عليه الافتراء والسب إذ قالوا معلم مجنون.
(٥) يقال انتقم منه أي عاقبه والنقمة بالكسر والفتح والجمع نقم كعنب ونقمات ككلمات والظرف (يَوْمَ) متعلق بجملة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أي منتقمون يوم البطش.