الحديث القرآن الكريم (١) (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أي نستنزلهم درجة درجة (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) حتى ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي (٢) مَتِينٌ) أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق ، وقوله تعالى (أَمْ (٣) تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي بل أتسألهم على تبيلغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك. (أَمْ عِنْدَهُمُ (٤) الْغَيْبُ) أي اللوح المحفوظ (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٥) منه ما هم يقولون به ويقرونه والجواب لا إذا (فَاصْبِرْ) يا رسولنا (لِحُكْمِ (٦) رَبِّكَ) فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يونس بن متى أي في الضجر وعدم الصبر. (إِذْ نادى وَهُوَ (٧) مَكْظُومٌ) أي مملوء غما فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) أي لو لا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب الله عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين ، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين. وقوله تعالى (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي وان يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم (لَمَّا
__________________
(١) وجائز أن يكون المراد من الحديث الإخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الأخبار عن الله وعن الأمم والجنة والنار.
(٢) (وَأُمْلِي) مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من الملا مقصورا وهو الحين والوقت ومنه الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمان.
(٣) (أَمْ) بمعنى بل للإضراب الانتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر.
(٤) إضراب آخر كالأول وفي الكلام حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) من سورة النجم.
(٥) الفاء للتفريع.
(٦) المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والاضطلاع بأعباء الرسالة.
(٧) المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل.