العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر مثلا. وقوله (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) أي من اختلاف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك لا تجد إلا الاتساق والانتظام لا تصدع ولا انفطار وإن شئت (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) وانظر (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي إنك لا ترى ذلك (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (١) فإنك لا تجد تفاوتا ولا تباينا أبدا ولو نظرت الدهر كله كل ما في الأمر أن بصرك أيها الناظر إلى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليلا مبعدا (٢) مما أراد ، (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي كليل تعب وقوله تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي هذه الدانية من الأرض القريبة منها (بِمَصابِيحَ) (٣) هي النجوم والكواكب. (وَجَعَلْناها) أي النجوم (٤) (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) ترجم بها الملائكة شياطين الجن الذين يريدون استراق السمع من كلام الملائكة حتى لا يفتنوا الناس في الأرض عن دين الله عزوجل. وقوله تعالى (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) (٥) أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة كسائر الكافرين من الإنس والجن.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عزوجل.
٢ ـ بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.
٣ ـ بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمهالله : أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال : زينة لسماء الدنيا ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها. (٦)
__________________
(١) (كَرَّتَيْنِ) منصوب على المصدر لأن الكرة الرجعة فكرتين بمعنى رجعتين أي مرة بعد أخرى والعامل فارجع.
(٢) يقال خسئت الكلب أي أبعدته وطردته.
(٣) سميت الكواكب مصابيح لإضائتها.
(٤) الرجوم جمع رجم وهو اسم لما يرجم به أي ما يرمى به الرامي من حجر وغيره من باب تسمية المفعول بالمصدر مثل الخلق للمخلوق والرد للمردود ، والمراد من النجوم التي يرمى بها هي الشهب التي تنفصل عن النجوم والكواكب ، وجائز أن تكون كواكب صغيرة ترمى بها الشياطين شأنها شأن الشهب لحديث : الكوكب الذي انقض البارحة.
(٥) لا يقولن قائل : الشياطين خلقوا من نار فكيف يعلبون بها؟ والجواب : السعير أقوى من مادة النار التي خلقوا منها كما أن الشياطين تحولوا عن أصل المادة التي خلقوا منها. تحول الإنسان من طين إلى لحم وعظم وعصب ودم.
(٦) تمام قوله : فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به ، وتعدى وظلم.